وكذا لو كان المعنيّ بالخطاب هو نفسه الشريفة ، وبالهداية ما ذكر ، ولكن على تقدير نزع الخافض ؛ أي ويهدي بك الناس الصراط المستقيم ، وإطلاق الهداية لاختلاف الناس في الوصول وعدمه وإن قلّ الواصلون.
خليليّ قطّاع الفيافي إلى الحمى |
|
كثير وأنّ الواصلين قليل |
والقول بأنّ الهداية إذا عدّيت إلى المفعول الثاني بلا واسطة أو بواسطة «إلى» فهي موصلة ، وإذا عدّيت بواسطة «اللام» كما في قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (١) فهي للإراءة لا دليل عليه.
والمراد بالصراط المستقيم على هذين الوجهين هو الطريق المستوي الّذي لو سلكه والتزمه السالك أفضاه إلى الجنّة سواء كان حسّيّا أو عقليّا ، فيدخل فيه جميع ما فسّروه به من الجسر الممدود على جهنّم ، ومعرفة الله ، والتوحيد ، والشريعة ، وتهذيب الأخلاق بالرياضات ، وولاية الإمام المفترض الطاعة ، وحبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، والتوسّط بين مطلق الإفراط والتفريط ، أو خصوص إفراط النصارى وتفريط اليهود ؛ كما أشار إليه بقوله : (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) (٢) وقوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (٣) والصورة الإنسانيّة والتوسّط بين الخوف والرجاء وغير ذلك من المسالك الاعتداليّة ، وكلّ منها أدقّ من الشعر ، وأحدّ من السيف ؛ كما لا يخفى على من له أدنى بصيرة وفطنة.
__________________
(١) الإسراء : ٩.
(٢) النور : ٣٥.
(٣) الفاتحة : ٧.