ولا يخفى أنّ جميع هذه الحقائق متلازمة في الوجود ، وصورتها الّتي تظهر فيها في القيامة الكبرى هو الجسر الممدود الّذي لا يمكن لأحد من الناس أن لا يمرّ عليه ، ولا يمكن لأحد منهم الوصول إلى الجنّة إلّا بالمرور عليه ، إلّا أنّ منهم من يمرّ عليه مثل البرق ، ومنهم من يمرّ عليه كعدو الفرس ، ومنهم من يمرّ عليه ماشيا ، ومنهم من يمرّ عليه حبوا ، ومنهم من يمرّ عليه متعلّقا فتأخذ منه النار شيئا ، ومنهم من يسقط فيها في قدمه الاولى ، فقد قال تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) (١).
وهذا الاختلاف إنّما نشأ من اختلافهم في المعرفة والسلوك في الدار الدنيا ، وقد ورد أنّ الصراط مظلم يسعى الناس على قدر أنوارهم : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢).
وفي تنكير «الصراط» إشارة إلى أنّ لكلّ طريقا خاصّا إلى الحقّ على حسب ما أعطاه الله من القابليّة والاستعداد ، فإنّ «الطّرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق» (٣) ، كما روي في بعض الكتب ، فلا يطلب من الأدنى ما يؤاخذ عليه الأعلى ؛ إذ لا يكلّف الله نفسا إلّا ما آتاها ، ولا يكلّفها إلّا وسعها وبقدر طاقتها ، قال الله تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) إلى قوله (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) (٤).
وقد فسّر «الماء» بالعلم ، و «الأودية» بالقلوب ، فكلّ مكلّف في السلوك
__________________
(١) مريم : ٧١.
(٢) الملك : ٢٢.
(٣) بحار الأنوار ٦٧ : ١٣٧.
(٤) الرعد : ١٧.