عصمه من الناس فقال : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١) فهو صلّى الله عليه وآله معصوم من الخطأ والنسيان بإعانة الله ، ومن شرور الأعداء بحفظه ودفعهم عنه ، ومن صغائر المعاصي وكبائرها بدفع الشيطان عنه حتّى قتله بيده ، وعمّه بجوده وإحسانه حيث جعله مرآة لجميع أسمائه الحسنى حاكيا عن تمام صفاته العليا ، ولذا قال له : خلقتك لأجلي ، وخلقت الأشياء لأجلك.
فصار سائر الأنبياء حاكين عنه صلّى الله عليه وآله مظهرين لأمره على حسب مراتبهم في معرفة الأسماء والصفات من علم اليقين أو عين اليقين ، وأمّا هو صلّى الله عليه وآله فقد عرف الأسماء والصفات بحقّ اليقين حيث كان مظهرا للجميع بالتجلّي الأوّل من دون توسّط واسطة غيريّة ؛ بل كان هي نفس التجلّي الأوّل ، وليس لأحد أن ينكر اختلاف مراتب الخلق في مراتب معرفة الحقّ تعالى.
وقد أجاد بعض العارفين حيث قال : وفيه ـ أي في مقام معرفة الصفات والأسماء ـ تتفاوت مراتبهم ، فليس من يعلم أنّه تعالى عالم قادر على الجملة كمن شاهد عجائب آياته في ملكوت السماوات والأرض ، وخلق الأرواح والأجساد ، واطّلع على بدائع المملكة ، وغرائب الصنعة ، ممعنا في التفصيل ، ومستقصيا دقائق الحكمة ، ومستوفيا لطائف التدبير ، ومتّصفا بجميع الصفات الملكيّة المقرّبة من الله ، نائلا لتلك الصفات نيل اتّصاف بها ؛ بل بينهما من البون البعيد ما لا يكاد يحصى.
وفي تفاصيل ذلك ومقاديره تتفاوت الأنبياء والأولياء ، ولن يصل إلى
__________________
(١) المائدة : ٦٧.