ولكنّ التفنّن في التعبير باب من أبواب البلاغة ، مفتوح للتنشّط عن السآمة ، فإنّ التكرار والمواظبة على نهج واحد في المقال موجب للإسهاب والإملال ، أو الإشارة إلى أنّ سبّوحيّته تعالى سرمديّة أزليّة أبديّة لا تختصّ بحال دون حال ، وعالم دون عالم ، وزمان دون زمان ، بل كان سبّوحا في عالم اللاهوت قبل أن يخلق عالم الكائنات ، وهو فعله المسبوق بالمادّة والمدّة كالعناصر والعنصريّات وعالم المبتدعات ، وهو إمّا لم يسبق بشيء منهما كالعقول والنفوس المجرّدة وعالم المخترعات ، وهو ما سبق بالأولى خاصّة كالفلك والفلكيّات ، فلا تقيّد بالزمان والزمانيّات.
كيف وهو جلّ جلاله مسبّح لذاته بذاته قبل جميع المسبّحات والتسبيحات ، وسبّوح وإن لم يسبّحه ولن يسبّحه أحد من الممكنات ، ولذا كان التعبير بما في «الإسراء» أحرى وأولى ، بل الفعل في هذه المقامات منسلخ عن الاقتران بالزمان كما لا يخفى على أولي النهى.
وفي «أنوار التنزيل» للبيضاويّ : إنّ مجيء المصدر مطلقا في «بني إسرائيل» أبلغ من حيث إنّه يشعر بإطلاقه على استحقاقه التسبيح من كلّ شيء ، وفي كلّ حال (١). انتهى.
والتسبيح من «سبح الرجل» إذا ذهب وبعد ، ومنه السابح في الماء ، ويقال : سبّحته بالتشديد إذا بعّدته عن الشين وبمعناه قدّسته من «قدس في الأرض» إذا ذهب فيها وبعد.
والفرق بين التسبيح والتقديس ، مع أنّهما يرجعان إلى معنى واحد وهو
__________________
(١) أنوار التنزيل وأسرار التأويل ٢ : ٤٩٢.