وبالجملة : الوصف بالملك أمدح من الوصف بالمالك ، وقد فصّلنا هذه الجملة في تفسيرنا على سورة الفاتحة. وفي «الرسالة الواضحة في تفسير سورة الفاتحة» للكفعميّ رحمه الله : إن وصف الله بأنّه ملك كان ذلك من صفات الذات ، وإن وصف بأنّه مالك كان من صفات الأفعال ، ولعلّ نظره في هذا التفصيل إلى أنّ المالك مستلزم للمملوك والمفروض أنّه لم يكن مع الله شيء في أزل الآزال ؛ بخلاف الملك ، فإنّه لم يزل قادرا على التصرّف في جميع الأمور ، فكان هذه الملك مطلقا ، ولا يزال كذلك أبدا ؛ كما يشير إليه قوله تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (١) فافهم وتأمّل جيّدا!
ثمّ لا يذهب عليك أنّ مملوكيّة الأشياء لمالكيها والممالك لسلاطينها وملوكها من الأمور الاعتباريّة الّتي لا ثبات لها في حدّ أنفسها ، وكذا مالكيّة ما سوى الحقّ تعالى وملكيّته ، فإنّ تصرّفه في ذلك ليس بالإيجاد والإفناء والإحياء والإماتة متى شاء وأراد.
غاية الأمر : أنّ تصرّفه فيه نظير تصرّف النفوس في الأعضاء والجوارح الّتي هي من آلاتها وأدواتها ، فلا قدرة لها بدونها على شيء ، فهي محتاجة إليها عند إرادتها شيئا ؛ بخلاف مالكيّة الحقّ تعالى وملكيّته ، فإنّ ذلك أمر حقيقيّ ، وتصرّفه في الأشياء والمماليك نظير تصوّر النفوس لصورها العلميّة الحاصلة عندها يوجد ما شاء منها ، ويفني ما شاء منها ، ويفعل فيها ما شاء ، ومتى شاء ، وكيفما شاء ، وإنّما أمره سبحانه إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، فملكيّته ومالكيّته ثابتة دائمة غير منصرمة أبد الآبدين.
__________________
(١) غافر : ١٦.