نور ، والآخر ظلمة ، وأنّهما أزليّان لم يزلا ولا يزالا ، وأنكر وجود شيء لا من أصل قديم.
ثمّ اختلف المانويّة في المزاج وسببه ، قال بعضهم : إنّ النور والظلام امتزجا بالبخت والاتّفاق ، لا بالقصد والاختيار. وقال أكثرهم : إنّ سبب المزاج أنّ أبدان الظلمة تشاغلت عن روحها بعض التشاغل ، فنظرت فرأت النور فتغلّبت الأبدان على ممازجة النور ، فأجابتها لإسراعها إلى الشرّ ، فلمّا رأى ذلك ملك النور وجّه إليها ملكا من الملائكة في خمسة أجزاء من أجناسها الخمسة ، فاختلطت الخمسة النوريّة بالخمسة الظلمانيّة ، فخولط الدخان بالنسيم ، والحريق بالنار ، والنور بالظلمة ، والسموم بالريح ، والضباب بالماء ، فما في العالم من منفعة وخير وبركة فمن أجناس النور ، وما فيه من مقابلات هذه فمن أجناس الظلمة ، إلى غير ذلك من مقالاتهم الطويلة.
ولكن عمدة شبههم ما ذكرناه من قبل ، وهي أنّ في هذا العالم يوجد شرور وخيرات ، والمبدأ الواحد لكونه بسيط الحقيقة لا يمكن أن يكون مبدأ لهما جميعا ، وإلّا لكان شيء واحد خيرا وشرّا معا وهو محال ، فمبدأ الخيرات هو يزدان ، ومبدأ الشرور أهرمن ، وقد ذكرنا وجه دفعها. انتهى كلامه.
وقد فصّل وجه الدفع في شرح الحديث الأوّل من أحاديث باب الخير والشرّ بما لا مزيد عليه ، وحاصله يرجع إلى أنّ الشرّ الحقيقيّ ليس موجودا في العالم ؛ كما قال المولويّ :