ومنهم الزرادشتيّة : أصحاب زرادشت ـ وكان أصل دينه عبادة الله ، والإيمان به ، والكفر بالشيطان ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، إلّا أنّ أهل زمانه قتلوه وأحرقوا كتابه ـ فقال المنتسبون إليه : إنّ النور والظلمة أصلان متضادّان ، وكذلك يزدان وأهرمن وهما مبدءا موجودات العالم ، وحصلت التراكيب من امتزاجهما ، والباري خالق النور والظلمة ومبدعهما ، وهو واحد لا شريك له ، ولا ضدّ ولا ندّ ، لكنّ الخير والشرّ والصلاح والفساد والطهارة والخبث إنّما حدثت من امتزاج النور والظلمة ، وهما متقاربان متغالبان ، إلّا أن يغلب النور الظلمة والخير الشرّ ، ثمّ يتخلّص الخير إلى عالمه ، والشرّ ينحطّ إلى عالمه ، وذلك هو سبب الخلاص ، والباري مزجهما وخلطهما لحكمة رآها في التركيب ، ومن هؤلاء من جعل النور أصلا وقال : وجوده وجود بالذات ، وأمّا الظلمة فتبع كالظلّ بالنسبة إلى الشخص.
ومنهم الثنويّة بالحقيقة ، وهؤلاء أصحاب المبدأين الأزليّين : يزعمون أنّ النور والظلمة أزليّان قديمان ، بخلاف المجوس ، فإنّهم قالوا بحدوث الظلام ـ كما مرّ ـ وهؤلاء قالوا بتساويهما في القدم ، واختلافهما في الجوهر والطبع ، والفعل والحيّز ، والمكان والأجناس ، والأبدان والأرواح ، وبيّنوا كلّها على التفصيل،وربّماوضعوها في جدول سمّوه«جدول النور والظلمة».
فمن هؤلاء المانويّة أصحاب ماني الّذي ظهر في زمان شاپور بن أردشير ، وقتله هرمز بن شاپور بعد عيسى عليه السلام أحدث دينا بين المجوسيّة والنصرانيّة ؛ كان يقول بنبوّة عيسى عليه السلام ولا يقول بنبوّة موسى عليه السلام زعم أنّ العالم مصنوع مركّب من أصلين قديمين أحدهما