إنّما قدّمه لأنّه أقدم ، فإنّ الأشياء في الابتداء كانت في حكم الأموات ؛ كالنطفة والتراب (١). انتهى.
وهذا راجع إلى بعض ما قدّمناه.
وربّما يخطر بخلدي أنّ الوجه في ذلك أنّ غرابة خلق الموت أكثر من غرابة خلق الحياة ولو بحسب ظنّ الناس وتوهّمهم ، فلذا قدّمه في مقام ذكر أنّ بيده الملك ، وأنّ له التصرّف في كلّ شيء ، وأنّه على كلّ شيء قدير ، ليكون إشارة إلى استواء نسبة قدرته إلى كلّ شيء ، فلا يتصوّر أهون وأصعب في أفعاله تعالى ؛ بل الجميع بالنسبة إلى قدرته على حدّ سواء ، فخلق النملة عنده كخلق الفيل ، وإيجاده السماوات والأرضين وما بينهما مثل إيجاده الذرّة بلا تفاوت ، فأمره (إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٢) وفي قوله في الجوشن الكبير : «يا من في الممات قدرته» (٣). إشعار بهذا الوجه.
وقوله : (الَّذِي خَلَقَ) محتمل لكونه استئنافا بيانيّا ، لكونه جوابا عن السؤال المقدّر عن مقدار قدرته ، ولكونه بدلا عن الّذي بيده الملك ، ولكونه خبرا عن المبتدأ المحذوف ؛ أي هو الّذي خلق الموت.
وقوله : (لِيَبْلُوَكُمْ) تعليل لخلق هذين الأمرين بالعلّة الغائيّة ، وهذا التعليل مذكور أيضا في قوله تعالى في سورة هود : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ) ... (٤) إلى آخره. أي :
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٤٠٨.
(٢) يس : ٨٢.
(٣) مفاتيح الجنان ، دعاء الجوشن الكبير.
(٤) هود : ٧.