فقدّم زيدا لكونه الكاسي ، هذا مع أنّ في التأخير يلزم انفصال الضمير مع تيسّر اتّصاله ، والغرض من وضع الضمير الاختصار ، وهو مناف للانفصال في الجملة.
أمّا الثاني ، فلأنّ الأشياء وإن كان جميعها مفاعيل للحقّ المطلق لأنّه خالقها ومبدعها ومكوّنها ومصوّرها إلّا أنّ محمّدا صلّى الله عليه وآله المخاطب بهذا الخطاب المعطى له هذا العطاء المستطاب هو مفعوله الأوّل بلا واسطة شيء آخر ؛ إذ شيئيّة كلّ شيء إنّما هي بعد شيئيّته صلّى الله عليه وآله المستفادة من شيئيّة الحقّ الأوّل تعالى ، فهو صلّى الله عليه وآله في أعلى مراتب القرب إليه تعالى المعبّر عنه بالوصل والاتّصال ، فكلّ واصل إلى الحقّ لا يكون وصله إلّا بواسطته ، فله صلّى الله عليه وآله تمام الوصل من دون أن يفرّق بينه وبينه بشيء.
قال الله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) إلى قوله تعالى (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) (١) إلى آخره.
وليس مرادنا بالوصل الوصل الحسّيّ نظير اتّصال الشعاع بالشمس أو السراج ، ولا الاتّحاد الّذي يزعمه بعض الصوفيّة من قبيل اتّحاد القطرة مع البحر ، لأنّ الممكن الحادث لا يتّصل بالواجب القديم ولا يتّحد معه ، فإنّ كنهه تعالى تفريق بينه وبين خلقه كما في الحديث ، فهو منزّه عن الوصل والفصل ، بل المراد تمام القرب إلى ساحة حضرته بالقرب المعنويّ لا المكانيّ الّذي هو من خواصّ الجسم والجسمانيّ. وعليه يحمل ما قاله
__________________
(١) النساء : ١٥٠ و ١٥١.