والمراد بالمعبود بالحقّ هو المستحقّ للعبوديّة لا المعبود بالفعل ، فلا يلزم أن يكون إلها في الأزل كما توهّمه الرازيّ ، مع أنّه قال بعد ذلك : واعلم أنّه تعالى هو المستحقّ للعبادة ، لأنّه هو المنعم بجميع النعم أصولها وفروعها ، وذلك لأنّ الموجود إمّا واجب وإمّا ممكن ، والواجب واحد وهو الله سبحانه تعالى ، وما سواه ممكن ، والممكن لا يوجد إلّا بالمرجّح ، فكلّ الممكنات إنّما وجدت بإيجاده وتكوينه ؛ إمّا ابتداء ، أو بواسطة ، فجميع ما حصل للعبد من أقسام النعم لم يحصل إلّا من الله ، فثبت أنّ غاية الإنعام صادرة من الله ، والعبادة غاية التعظيم.
وإذا ثبت هذا فنقول : إنّ غاية التعظيم لا تليق إلّا لمن صدرت عنه غاية الإنعام ، فثبت أنّ المستحقّ للعبوديّة ليس إلّا الله. انتهى ، فتدبّر.
الرابع : على تقدير اشتقاق هذا اللفظ يحتمل فيه وجوه كثيرة :
منها : أنّه مشتقّ من «ألهت إلى فلان» ؛ أي سكنت إليه ، فإنّ العقول لا تسكن إلّا إلى ذكره ، والأرواح لا تفرح إلّا بمعرفته ، والقلوب لا تطمئنّ إلّا بمحبّته.
ومنها : أنّه مشتقّ من «الألوهة» و «الإلهة» ؛ أي العبادة.
قال في القاموس : «أله ، ألاهة وألوهة وألوهية» : عبد عبادة ، ومنه لفظ الجلالة (١). وقرأ ابن مسعود وابن عبّاس (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) (٢) ؛ أي عبادتك.
ومنها : أنّه مشتقّ من «أله بالمكان» إذا قام به ؛ فمعنى «الله» : القائم بالذات ،
__________________
(١) القاموس المحيط ٤ : ٢٨٢.
(٢) الأعراف : ١٢٧.