وقال عزّ وجلّ في سورة الأنعام : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١).
وحاصل هذه الآية ، أنّه لم يخرج منه شيء كخروج شيء من شيء ، ولم يخرج من شيء كذلك ، فإنّ ذلك كلّه من صفات الحوادث ، فباب الواجب بالذات مسدود لا يدخل فيه شيء ، ولا يخرج منه شيء ، فيمتنع الواجب القديم من أن يخرج منه شيء ، أو يخرج من شيء ، وإلّا لزم المشابهة والمجانسة والمشاكلة ؛ تعالى [الله] عن ذلك علوّا كبيرا.
فإن قيل : فإذا كان الله تعالى لم يلد ولم يولد ولن يلد لما ذكر من العلّة لزم أن يمتنع صدور الممكنات عنه ، مع أنّه موجدها ومبدعها بالضرورة ، وهو خالق كلّ شيء بقدرته.
قلت أوّلا : إنّ صدور فعل عن فاعل لا يسمّى ولادة.
وثانيا : إنّ الربط بين الفاعل والفعل والمفعول إنّما يتصوّر فيما [إذا] كان الفاعل حادثا ، وحينئذ يكون بينه وبين أثره ربط لمكان المجانسة والمشابهة والمشاكلة ، وأمّا القديم تعالى فلا ضدّ له ، ولا شيء يشبهه ويجانسه ، كيف وهو الواحد المتفرّد في أزليّته بحيث لا يشبهه شيء ، ولا يوافقه شيء ، ولا يخالفه شيء ، ولا ضدّ ولا ندّ ولا شريك له ، ولا هو من شيء ، ولا في شيء ، ولا كشيء ، ولا عن شيء ، ولا منه شيء ، فلا مناسبة بينه وبين شيء من الممكنات ، ولا رابطة ولا نسبة بينهما ، فإنّ تحقّق النسبة فرع وجود
__________________
(١) الأنعام : ١٠٠ ، ١٠١.