.................................................................................................
______________________________________________________
النظر عن مرحلة الفعليّة وتحقّق الموضوع خارجاً ، فكان كلٌّ منهما يكذب الآخر بمدلوله الالتزامي ، كما لو دلّ أحدهما على وجوب شيء والآخر على حرمته أو عدم وجوبه ، أو أحدهما على نجاسة شيء كعرق الجنب من الحرام والآخر على طهارته ، فكان بين الدليلين تناقضٌ أو تضادّ الراجع بالآخرة إلى التناقض إمّا ذاتاً أو عَرَضاً.
وهذا الضابط كما ترى غير منطبق على المقام ، إذ لا تنافي بوجهٍ بين ما دلّ على وجوب الزكاة لمن كان مالكاً للنصاب في تمام الحول وبين دليل وجوب الوفاء بالنذر ، غايته أنّ في صورة المقارنة بين تماميّة الحول وبين حصول المعلّق عليه النذر لا يتمكّن المكلّف من الجمع بين صرف المال في الزكاة وفي الصدقة ، نظراً إلى أنّ تقديم كلٍّ منهما يعدم موضوع الآخر ، لأنّه لو صرفه في الزكاة ينعدم موضوع النذر ، إذ لا يمكن التصدّق بمال الغير ، ولو صرفه في الصدقة لا موضوع للزكاة ، لزوال النصاب ، فهو غير متمكّن من صرف هذا المال خارجاً في كلا الموردين ، لا أنّ بينهما تكاذباً في مرحلة الجعل ليكونا من المتعارضين.
فالمقام يكاد يلحق بباب التزاحم ، الذي ضابطه تنافي الدليلين في مرحلة الفعليّة دون الجعل الناشئ من عجز المكلّف عن الجمع بينهما في مقام الامتثال ، مثل ما لو لم يتمكّن من الجمع بين الصلاة وبين إزالة النجاسة عن المسجد لضيق الوقت ، أو كان له ماء ولم يتمكّن من صرفه إلّا في حفظ النفس عن الهلاك أو الوضوء بحيث لو اختار كلّاً منهما عجز عن امتثال الآخر.
وعلى الجملة : فلا مساس للمقام بباب التعارض أبداً ليرجع فيه إلى التخيير.
وثانياً : سلّمنا ذلك ، ولكن التخيير غير ثابت في هذا الباب من أصله ، لضعف مستنده حسبما بيّناه في محلّه (١) ، بل حكم المتعارضين : الترجيح إن كان ، وإلّا
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٥٠٣.