.................................................................................................
______________________________________________________
والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّا لم نجد ما يصلح سنداً لمسلك المشهور كي يعوّل عليه في الخروج عن إطلاقات العُشر ونصف العُشر حسبما عرفت. إذن فالأقوى هو القول بعدم الاستثناء ، الذي اختاره جمع من الأعاظم من القدماء والمتأخّرين كما تقدّم.
ومن غريب ما استدلّ به للقول بالاستثناء الاستدلال بقوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (١) بتقريب : أنّ العفو هو الزيادة من المال ، ولا زيادة إلّا بعد استثناء المئونة.
إذ فيه أوّلاً : أنّ العفو إنّما يكون بمعنى الزيادة إذا قيِّد بالمال ، فالعفو من المال هو الزيادة ، دون العفو المطلق الغير المضاف إليه كما في الآية المباركة ، فإنّه على هذا بمعنى العمل الطيّب.
قال في الأقرب : العفو خيار الشيء وأجوده ، ومن المال ما يفضل من النفقة (٢).
فكأنّ الآية المباركة بصدد بيان منهج الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) والطريقة التي يسلكها في نفسه ومع غيره بالعقد الإيجابي والسلبي ، فأمره تعالى باتّخاذ العفو في عمل نفسه بالإتيان بصالح الأعمال وأطيبها وخيار الفعال وأجودها ، وأن يأمر غيره أيضاً بالمعروف وأن يترك ما يفعله الجاهلون ويعرض عنهم ، الذي هو العقد السلبي. وعليه ، فلا مساس للآية المباركة بباب الزكاة بتاتاً.
وثانياً : سلّمنا أنّ المراد من العفو هو الزيادة من المال ، إلّا أنّ الآية المباركة لم تختصّ بالمال الزكوي ، كما أنّ الزيادة لم تختصّ بالعُشر ولا بنصفه ، بل مقتضى الإطلاق دفع تمام الزائد حتّى من الأجناس غير الزكويّة ، وهو كما ترى ،
__________________
(١) الأعراف ٧ : ١٩٩.
(٢) أقرب الموارد ٢ : ٨٠٥ (عفو).