( انوشيروان ) كانت تتأثر احياناً بسعاية الساعين ووشاية الوشاة الذين كانوا يوغرون صدر الملك ضدّه فيستصدرون منه قراراً بحبسه وسجنه.
وقد أوغرّ هؤلاء السعاة والواشون أنفسُهم صدرَ « انوشيروان » ضد امبراطور الروم ، وألّبوه عليه ، وشجّعوه على توسيع رقعة نفوذه ، وتوسيع حدود بلاده واضعاف سيطرة منافسه الخطير ، متجاهلا وثيقة « الصلح الخالد » الّتي عقدها مع الروم واتفق فيها الجانبان على عدم التعرض بعضهم لبعض.
وأدى هذا التحريض بأنوشيروان إلى مهاجمة الروم ، واشتعلت على اثرها نيران الحرب ، واستطاع جنود ايران ان يفتحوا سورية ( وقد كانت مستعمرة رومية ) في مدة قصيرة تقريباً ، وحرق انطاكية ونهب آسيا الصغرى.
وبعد عشرين عاماً من القتال وسفك الدّماء ، والكرّ والفر بين الروم وايران وبعد أن فقد الجانبان قدراتهم وطاقاتهم في تلك المعارك الطاحنة ، وبعد الخسائر العظيمة الّتي تحمّلهما الطرفان إضطرّا إلى عقد وثيقة الصلح مرة ثانية ، وحدّدوا حدود بلادهما ، ومناطق نفوذهما كما كانت عليه في السابق شريطة أن تدفع دولة الروم كل عام ما يعادل ( عشرين الف ) دينار إلى دولة ايران.
ومِنَ الواضح الّذي لا يخفى ولا يحتاج إلى البيان أن حروباً طويلة الامد تدور رحاها بعيداً عن مركز الدولة من شأنها ان تأتي بالنتائج السيئة والتبعات الثقيلة على اقتصاد الشعب المحارب ، وصناعته وتوجه إلى هذه الجوانب ضربات قوية ، لا تزول آثارها إلاّ بعد زمان طويل خاصة مع ملاحظة الوسائل والأدوات في تلك العصور.
ومهما يكن فان هذه الحروب ، وهذه الحملات المكلفة هيأت المقدمات الموجبة لسقوط الحكومة الإيرانية الحتمي.
فان آثار هذه المعارك لم تَزُل بعد إلاّ وقد نشبت حرب اُخرى دامت سبعة اعوام فان « تي باريوس » امبراطور الروم بعد ان تسنم عرش السلطان هدد بحملاته الكبيرة استقلال الدولة الإيرانية بدافع الانتقام.
وفي الأثناء ـ وقبل ان يتضح موقف الطرفين وموقعهما في تلك المعارك من