في دولة « نمرود بن كنعان ».
وكان نمرود هذا رغم أنه يعبدُ الصنم يدّعي الاُلوهيَّة ويأمر الناس بعبادته.
وقد يبدو هذا الامر عجيباً جداً فكيف يمكن ان يكون الشخص عابد صنم ومع ذلك يدّعي الاُلوهية في الوقت نفسه ، إلاّ أن القرآن الكريم يذكر لنا نظير هذه المسألة في شان « فرعون مصر » ، وذلك عندما هزّ النبي موسى بن عمران عليهالسلام قواعد العرش الفرعوني بمنطقه القويّ ، وحجته الصاعقة ، فاعترض أنصار فرعون وملأوه على هذا الأمر ، وخاطبوا فرعون بلهجة معترضة قائلين : « أتذَرُ مُوسى وَقَومهُ لِيُفْسِدُوا في الأَرْض وَيَذركَ وآلهَتَكَ » (١).
ومن الواضح جدّاً أن « فرعون » كان يدعي الالوهية فهو الّذي كان يقول : « أَنا رَبُّكُمُ الاَْعْلى » (٢) وهو القائل : « مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ اله غَيْريْ » (٣) ولكنه كان في الوقت نفسه عابد صنم ووثنياً.
بَيْدَ أَنَّ هذه الازدواجية ليست بأَمر غريب عند الوثنيين ، ولا يمنع مانع في منطقهم أن يكون الشخصُ نفسه وثنياً يعبد الصنم ، ومع ذلك يَدَّعي أنه الهٌ ويدعو الناس إلى عبادته فيكون الهاً معبوداً ، يعبد الهاً أعلى منه ، لأن المقصود من المعبود والاله ليس هو خالق الكون بل هو من يتفوَّق على الآخرين بنحو من أنحاء التفوق ويتملك زمام حياتهم بشكل من الإشكال.
هذا والتاريخ يحدثنا أن العوائد في بلاد الروم كانت تعبد كبارها ومع ذلك كان اولئك الكبار المعبودين انفسهم يتخذون لأنفسهم معبوداً أو معبودات اُخرى.
إن أكبر وسيلة توسَّل بها « نمرودُ » في هذا السبيل هو استقطاب جماعة من الكهنة والمنجمين الذين كانوا يُعدّون الطبقة العالمة والمثقَّفة في ذلك العصر.
فقد كان خضوعُ هذه الطبقة يمهّد لاستعمار الطبقة المنحطة وغير الواعية من الناس.
هذا مضافاً إلى أنه كان يُناصر « نمرود » بعضُ من ينتسب إلى « الخليل »
____________
١ ـ الأعراف : ١٢٧.
٢ ـ النازعات : ٢٤.
٣ ـ القصص : ٣٨.