صالحين ، اهتدوا بفعل نبوغهم الفكري الرفيع إلى أفكار وقيم رفيعة ودعوا مجتمعاتهم إلى الأخذ بها ، والسير على هديها ، لتحقيق الخير والعدالة ، فكان لهم بذلك اكبر نصيب في إرشاد البشرية إلى سعادتها ، فكل ما طرحوه من أفكار ، وكل ما عرضوه على تلك المجتمعات باسم الدين أوالقانون ليست ـ في الحقيقة ـ سوى نتيجة ما تمتعوا به مِن نبوغ ، وفكر خارق ، ولا علاقة له بعالم آخر غير هذا العالم المادي المألوف.
وقالوا : وان ممّا يساعد على تقوية هذا النبوغ اُمور ابرزها :
الحبُّ ، التعرضُ للظلم الطويل ، الطفولة وما يكتنفها من ضعف وعجز ، الوحدة ، السكوت ، التربية الاُولى ، والعيش في صورة الأقلية وما يرافقها من ظروف إجتماعية غير مؤاتية.
فان جميع هذه الاُمور أو بعضها تدفع بالشخص إلى الأنطوائية ، والتفكير والتأمل ، للاهتداء إلى مخرج من المشاكل والصعوبات ، ومخلص من الظروف الصعبة ، والأحوال الشاقة.
ويُجاب على هذه النظرية بأن أصحاب هذه النظرية حكموا على هذه القضية على أساس موقف اتخذوه سَلفاً فهُم حَصَروا الأشياء في المادة والامور المادية ثم فسّروا ما يرتبط بعالم الغيب بذلك ، فجاء تفسيرهم لهذه الظاهرة الغيبية تفسيراً ماديّاً ، غفلة منهم عن ان مثل هذا التفسير والتعليل لا يليق بظاهرة ( الوحي ) الّتي تجسد أعلى قضيّة في سلّم الحقائق العلمية والفلسفية ، ويرجع اليها أعظم القوانين والبرامج للسعادة البشرية.
نحن لا ننكر أن لما ذكروه من العوامل تاثيراً في تقوية عملية « التفكير » لدى الإنسان إلى درجة ايجاد ما يسمى بظاهرة التوابغ لديه ، إلاّ أنه لا يمكن أن يوجد مثل هذا الامر نبيّاً خضعت جميع النبواغ البشرية لعظمة تعاليمه الّتي أتى بها طوال أربعة عشر قرناً.
نبياً لم يزل ما جاء به من معارف عقلية وفلسفية ، وقوانين ترتبط بعالم الطبيعة وبالنظام الاجتماعي وآداب السلوك تحافظ على قوتها ، وعمقها وأصالتها ولمعانها