مغناطيسياً يظهر بمظهر العقل الراجح ، والفكر الثاقب والنظر البعيد ، ويقوم بما لا يقوم به في حالته العادية.
وقد انتهى هؤلاء الماديّون من خلال تحقيقاتهم وتجاربهم إلى : ان شخصية الإنسان الباطنية ارقى من شخصيته العادية ، وإن ما يتوصَّل إليه الإنسان من أفكار عالية رفيعة جداً ، وما قد يتمتع به من روح قوية هو من مظاهر هذه الشخصية وفعاليتها.
فقالوا : وان هذه الشخصية هي الّتي تنفث في روح الأنبياء ما يعتبرونه وحياً من اللّه ، وقد تظهر لهم متجسّدة فيحسبونها من ملائكة اللّه هبطت عليهم من السماء!!!
فالوحي عند هؤلاء الباحثين في الروح على الاسلوب التجريبي لا يكون بنزول ملك من السماء على الرسول فيبلغه كلاماً عن الله بل يكون في تجلي روح الإنسان عليه بواسطة شخصيته الباطنة فتعلمه ما لم يكن يعلم ، وتهديه إلى خير الطرق لهداية نفسه وترقية اُمته (١).
ولكن هذه النظرية هي الاُخرى تنبع من الغُرور العلميّ الّذي اصاب هذا النمط من العلماء الَّذين يحاولون تفسير كل ظواهر هذا العالم بالتفسير المادي ، وهو لا شك ينشأ من عِلمهم المحدود القاصر عن إدراك حقائق الوجود.
إننا لا نشك في وجود ما يسمى بالشخصية الباطنيّة لدى الإنسان فهو ممّا سبق إلى كشفه والتنويه به الفلاسفة الإسلاميّون من قبل ولكن كيف وعلى أيّ اساس حقَّ لهؤلاء ان يفسروا ظاهرة ( الوحي الالهيّ ) والنبوة بهذا الامر؟
هذا أولاً
وثانياً : انَّ تجلي الشخصيّة قلّما يحدث في الاشخاص الأصحّاء ، بل هو يحدث في الاغلب عند المتعبين القلقين ، والسكارى ، والمصابين بالهزيمة والنكسة ، لأن نافذة ( اللاوعي ) عند غيرهم من الاصحاء تنسد بسبب اشتغالهم الشديد بقضايا الحياة اليومية وهمومها ، ولا يبقى للشخصية الباطنية مجال للنشاط والفعالية ، كما
__________________
١ ـ دائرة معارف القرن العشرين لفريد وجدي : ج ١٠ ، مادّة وحي.