الأشخاصُ وعواطف وديّة قويّة أبداها البعض تجاه بعض تدورُ اكثرها حول محور الدوافع المادية كالتي تدور حول معيار الجمال أو المال ، ولهذا سرعان ما يذهب الحماسُ وتنطفىءُ شعلةُ الحبّ ، ويتضاءل لهيبُ العاطفةُ في كيانهم حتّى تزول بالمرَّة ولا يبقى منها شيء أبداً لعدم ثبات هذه الدوافع.
ولكنَّ المشاعرَ والعواطفَ الّتي تنبعُ من أواصر الايمان بفضائل شخص ما وكمالاتِه الروحية والمعنوية لا تنمحي ولا تتلاشى بسرعة.
وقد كانت مودة « أبي طالب » لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وحبّه الشديد له تنبع من كلا هذين الدافعّين.
فقد كان « أبو طالب » يؤمن بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ويرى فيه من جانب الإنسان الكاملَ ، بل يعتبره في قمة الكمال الانساني ، ومن جانب آخر كان « محمّد » ابن أخيه ، وقد أحلّه ذلك من قلبه محلّ الابن والأخ.
لقد كانت لصفات « محمّد » وخصاله المعنوية والأخلاقية ، وطهره مكانة كبرى في قلب عمّه « أبي طالب » إلى درجة أنه كان يصطحبه معه إلى المصلّى ، ويستسقي به اي انه يقسم على اللّه بمقامه أن يدفعَ عن الناس القحط والجدب وينزّلَ عليهم الغيث ، فكانت دعوتُه تستجاب من دون تأخير.
فقد نقل كثيرٌ من المؤرخين الحادثة التالية :
قحط الناسُ في « مكة » وحواليها سنةً من السنين ، ومَنعتِ السماء والأرض بركاتها عنهم بشكل عجيب ، فمشت قريش بعيون باكية إلى « أبي طالب » تطلب منه بالحاح أن يستسقي لهم ، وان يذهب إلى المصلى ويدعو ربّه لينزِّلَ عليهم المطر وينقذهم من تلك المحنة الصعبة.
فخرج « أبو طالب » وقد أخذ بيد غلام كأنه شمسُ دجن تجلّت عنها غمامة فاسند ظهره إلى الكعبة ورفع وجهه نحو السماء وقال : يا رب هذا الغلام اسقنا غيثاً مغيثاً ، دائماً هاطلا.
ويكتب المؤرخون ان السماء كانت صافية لا غيم فيها أبداً ساعة استسقى « أبو طالب » برسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ولكن ما ان فرغ « أبو طالب » من دعائه