إلاّ وأقبلت السحاب في الحال ، وغطّت سماء « مكة » وما حولها من المناطق القريبة اليها ، وارعدت السماء وأبرقت ثم جرى غيث عظيم سالت به الأودية ، وروّت القريب والبعيد ، وَسُرّ به الجميع ورضوا (١).
وقد اشار « أبو طالب » في لاميّته المعروفة إلى هذه الحادثة.
وقد أنشأ « أبو طالب » تلك القصيدة في أحلك الظروف واشدّها ، يوم زادت قريشٌ من ضغوطها على حامي الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ليسلِّمَ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم إليها.
وقد ذكَّر فيها « أبو طالب » قريشاً بحادثة الاستسقاء برسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل الإسلام وكيف أنها اُمطِرَت ببركته ، بعد قحط طويل ، وجدب مهلِك ، كاد يبيد الحرث والضرع ، وذلك عندما يقول :
وابيض يُستسقى الغمامُ بوجهه |
|
ربيع اليتامى عصمة للأرامل |
تلوذُ به الهُلاك مِن آل هاشم |
|
فهم عندَهُ في نعمة وفواضل |
وقد نقل « ابن هشام » في سيرته (٢) أربعة وتسعين بيتاً من هذه القصيدة ، فيما أورد « ابن كثير » الشامي في تاريخه (٣) إثنين وتسعين بيتاً فقط.
وهي قصيدة في منتهى الروعة والعذوبة ، وفي غاية القوة والجمال ، وتفوق في هذه الجهات كل المعلقات السبع الّتي كان عرب الجاهلية يفتخرون بها ، ويُعدونها من ارقى ما قيل في مجال الشعر والنظم.
وقد أورد « ابو هفان العبدي » الجامع لديوان « أبي طالب » مائة وواحد وعشرين بيتا من هذه القصيدة في ذلك الديوان ، ويمكن أن تكون كلُ تلك القصيدة وتمامها.
ونحن نورد هنا أبياتاً متفرقة من هذه القصيدة مما يتصل منها برسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بصورة صريحة.
__________________
١ ـ بحار الأنوار : ج ١٨ ، ص ٢ و ٣ ، السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ١١١ ـ ١١٦ ، الملل والنحل المطبوع بهامش الفصل في الأهواء والملل : ج ٣ ، ص ٢٢٥.
٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢٧٢ ـ ٢٨٠.
٣ ـ البداية والنهاية : ج ٣ ، ص ٥٢ ـ ٥٧.