بعيِد يَتَجَهَّمُنِي؟ أم إلى عَدُوّ ملكتَهُ اَمري؟
إن لَم يَكُن بِكَ عَليَّ غَضَبُ فَلا اُبالِي ، وَلكِ ، عافِيتَكَ هِيَ أوسَعُ لِي.
أعُوذُ بِنُورِ وَجهك الّذي اشرقت لَهُ الظُّلماتُ ، وَصَلُحَ عَليهِ أمرُ الدُّنيا وَالآخِرَة مِن أن يَنزِلَ بِي غَضَبُكَ ، أو يَحِلَّ عليَّ سَخطُك.
لَكَ العُتبى حتّى تَرضى ، وَلا حولَ وَلا قُوّةَ إلاّ بِكَ » (١).
هذه الكلمات وهذا الدعاء هي استغاثة شخصية عاش خمسين سنة عزيزاً مكرماً في ظلّ حماية من دافعوا عنه بصدق واخلاص ودفعوا عنه كل اذى ولكنه الآن يضيق عليه رحب الحياة حتّى يلجأ إلى حائط عدوٍّ من اعدائه ، ويجلس في ظل شجرة ، مكروباً موجَعاً ينتظر مصيره.
فلما رآه إبنا ربيعة « عتبة وشيبة » وكانا من الوثنيين ومن أعداء الإسلام وشاهدوا مالقي من الأذى والعذاب ، رَقّا لَهُ فدعوا غلاماً لهما نصرانياً من أهل نينوى يقال له « عداس » فقالا له : خذ قطفاً من العنب فضَعهُ في هذا الطبق ثم اذهب به إلى هذا الرجل فقل له يأكل منه ، ففعل عداس ، ثم أقبل بالعنب حتّى وضعه بين يدي رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم قال له : كل ، فلما وضع رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه يده قال : « بسم اللّه الرحمن الرحيم ».
فتعجب عداس من ذلك بشدة وقال : واللّه إنَّ هذا الكلام ما يقوله أهلُ هذه البلاد.
فقال له رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ومِن أهل أي البلاد أنتَ وما دينك؟
قال : أنا نصراني ، من أهل نينوى.
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى.
فقال له عداس : وما يدريك ما ( من ) يونس بن متى؟
فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢) : ذاك أخي كان نبياً وأنا نبيّ ، أنا رسول اللّه ،
__________________
١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٤٢٠.
٢ ـ وفي رواية البحار : ج ١٩ ، ص ٦ جملة اعتراضية هنا : ـ وكان لا يحقر أحداً أن يبلغه رسالة ربه ـ.