الأحوال الطبيعية الاُخرى إلى أن تجتذب اليها أصحاب الصحراء ، وسكان البوادي ، والقفار ، كما واستطاعت هذه المدينة وبفضل مجاورتها للحضارة الفارسية إن تكتسب من ثقافتها ومدنيتها ما أفاض عليها لوناً من الحضارة والمدنية ، وقد بُنيت بالقرب من « الحيرة » قصورٌ مثل « الخورنق » الّذي اضاف إلى هذه المدينة جمالا وبهاء خاصّين ، وقد تعرَّف العربُ الساكنون في هذه المنطقة على الخط والكتابة ، ويمكن ان تكون الكتابة والقراءة قد سرتا منها إلى بقية مناطق الحجاز ومُدُنها (١).
ولقد كان ملوك « الحيرة » وأمرأوها من اللخميين العرب يؤيّدون من قِبَل الدولة الإيرانية بقوة ، وسبب هذا التأييد ، والحماية الايرانية لاُمراء الحيرة وملوكها كان يكمن في أن ملوك إيران ـ آنذاك ـ كانوا يُريدون أن تكونَ الحيرة سَدّاً ، وحاجزاً بينهم وبين عرب البادية ، يدفعون بهم خطرَ الغزاة من أهل الصحارى على الحدود الإيرانية.
ولقد سجَّلَ التاريخُ أسماء هؤلاء الاُمراء ؛ وقد نظم « حمزة الاصفهاني » فهرستاً بأسمائهم ، وجدولا بأعمارهم ومُدد حكوماتهم ، ومن كان يعاصرهم من ملوك بني ساسان الإيرانيين (٢).
ومهما يكن الأمر فإن دولة اللخميين العرب كانت من أكبر الحكومات العربية شبه المتحضرة في منطقة الحيرة ، وكان آخر ملوك هذه السلسلة هو « النعمان بن المنذر » صاحب القصة التاريخية الّتي تتضمن خلعه من الحكم ، وقتله بواسطة الملك الايراني : « خسرو برويز » (٣).
غَسّان : في أوائل القرن الخامس أو اوائل القرن السادس الميلادي هبط جماعة من المهاجرين اليمنيين في الشمال الغربي ـ أقصى نقاط الجزيرة العربية ـ وفي جوار الإمبراطوريّة الروميّة ، وأسسوا دولة الغساسنة ، وقد كانت هذه الدولة
__________________
١ ـ فتوح البلدان للبلاذري : ص ٤٥٧.
٢ ـ سِنيِّ ملوك الأرض : ص ٧٣ ـ ٧٦.
٣ ـ الأخبار الطوال : ص ١٠٩.