وأمّا إطلاقات ما دلّ على أنّ الجاري لا ينجس فهي منصرفة عن مثل الفرض ، لأنّ المنسبق إلى الذهن منها ليس إلّا الماء الجاري عن نبع ، وما يلي المتغيّر وإن لم يكن منفصلا عن المادّة حقيقة إلّا أنّه بنظر العرف بحكم المنقطع حيث لا يرون فرقا بين انقطاعه بحائل أو بالتغيّر ، فما يلي المتغيّر بنظرهم ليس إلّا كالمنقطع ، فهو بحكم الراكد ، وهذا الوجه هو الأقوى.
(و) هل (يطهر) الجاري المتغيّر بزوال تغيّره مطلقا ، أم يعتبر امتزاجه بماء معتصم كالكرّ وماء الغيث وما يخرج من مادّته؟
وجهان : ظاهر المصنّف ـ رحمهالله ـ وكلّ من عبّر كعبارته حيث أناط الحكم (بكثرة الماء الطاهر) الجاري من مادّته (عليه متدافعا حتى يزول التغيّر) هو الثاني ، بل في طهارة شيخنا المرتضى ـ قدس سرّه ـ نسبته إلى المشهور بين من تقدّم على الشهيد (١) ، بل لم يعرف منهم قائل بكفاية مجرّد زوال التغيّر.
وظاهر الشهيد في اللمعة وأكثر من تأخّر عنه ـ على ما حكي عنهم ـ هو الأول (٢) ، وسيتّضح لك تحقيق الحال في مبحث كيفية تطهير الماء القليل إن شاء الله.
نعم قد يقال : إنّه وإن قلنا باعتبار الامتزاج في تلك المسألة ولكنه لا نلتزم به هنا ، لأنّ مقتضى التعليل في صحيحة ابن بزيع : كفاية المادّة في
__________________
(١) كتاب الطهارة : ٨.
(٢) راجع : كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري : ٧ ، واللمعة الدمشقية : ١٥.