وقد يتوهّم إمكان الاستدلال لهذا القول : بسقوط الأخبار من الطرفين لأجل التعارض ، فيرجع إلى القاعدة الشرعية الثابتة في الماء من انفعال قليله بملاقاة النجاسة دون كثيره.
وفيه ـ بعد الإغماض عمّا عرفته مفصّلا من عدم المكافئة بين الأخبار ـ أنّ النسبة بين ما دلّ على اعتصام الكرّ وأخبار النجاسة ، وبين ما دلّ على انفعال القليل وأخبار الطهارة إنّما هي بالعموم من وجه ، فلا يصلحان للمرجعية ، وإنّما يرجع في مثل المقام ـ على تقدير التساقط لو قلنا به ـ إلى عموم «خلق الله الماء طهورا» (١) ولو أغمض عنه ، فالمرجع أصالة الطهارة ، والله العالم.
واعلم أنّ المشهور بين القائلين بالطهارة : استحباب النزح ، وقد عرفت في ما سبق أنّ هذا هو الذي يلتئم به شتات الأخبار ، ويشهد به القرائن الموجودة فيها ، بل قد عرفت أنّه يستفاد منها كراهة الاستعمال قبل النزح ، فليس استحباب النزح تعبّديا محضا ، بل إنّما هو لدفع القذارة الحاصلة وإن لم تبلغ مرتبة النجاسة الموجبة لحرمة الاستعمال.
وقد نسب إلى الشيخ في التهذيب ، والعلّامة في المنتهى القول بالطهارة ووجوب النزح تعبّدا (٢).
__________________
(١) أورده المحقّق في المعتبر ١ : ٤٠.
(٢) الناسب هو العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٥٤ ، وراجع التهذيب ١ : ٢٣٢ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٢.