الأعصار ، لكان الالتزام بها مع قوّتها من حيث المدرك في غاية الجرية ، فشكر الله سعي السابقين حيث إنّهم هوّنوا الخطب علينا ، فجزاهم الله عنّا خيرا.
ولعلّ هذا هو السرّ في بقاء القول بالنجاسة ـ على شهرتها في الأعصار السابقة ـ في الأزمنة المتطاولة ، لا لأجل تقليد آحاد العلماء أسلافهم حتى يكون ذلك قدحا فيهم ، حاشاهم عن ذلك ، بل لأجل عدم إعجاب كلّ منهم برأيه ، فيرى تطابق آراء الفحول واتّحاد كلمتهم على ترجيح القول بالنجاسة دليلا قطعيا على صحته ، فيظنّ ما يسنح بخاطره من ترجيح أخبار الطهارة شبهة في مقابلة الضرورة ، خصوصا لو كان بناؤه على حجّية اتّفاق العلماء في عصر واحد بقاعدة اللطف ، كما هو ظاهر كثير من علمائنا ، فإنّ اتّفاق كلمة أهل عصره على هذا التقدير عنده دليل قطعي على وجوب طرح أخبار الطهارة أو تأويلها.
ويؤيّد ذلك : أنّه بعد أن شاع القول بالطهارة لم ينكروا على قائله ، بل أيّدوه إلى أن اتّفقت الكلمة واجتمعت الفرقة على خلاف ما كانوا عليه من قبل ، والله العالم بحقائق الأمور ومكنونات السرائر.
حجّة القول باعتبار الكرّية في البئر المنقول عن البصروي : عموم ما دلّ على انفعال القليل (١) ، ولا يعارضه عموم أدلّة طهارة البئر (٢) ، لانصراف الإطلاق فيها إلى ما يبلغ الكرّ ، لأنّه الغالب في الآبار.
__________________
(١) راجع : الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الماء المطلق.
(٢) راجع : الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق.