طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ).
فإنّ المراد من الملامسة في آية النساء هو الجماع لا محالة ، كما عن أمير المؤمنين وابن عبّاس وأبي موسى الأشعري ، وتبعهم في ذلك الحسن وعبيدة والشعبي وآخرون ، وهذا مذهب كلِّ من نفى الوضوء بمسِّ المرأة كأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر والثوري والأوزاعي وغيرهم. وذلك أنّ المولى سبحانه أسلف بيان حكم الجنب عند وجدان الماء بقوله : (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) ، وقوله : (فَاطَّهَّرُوا) ، ثمّ شرع في صور حكم عدم التمكّن من استعمال الماء لمرض أو سفر أو فقدانه واستطرد هنا ذكر الحدث الأصغر بقوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) ، فنوّه بذكر الجنابة بقوله : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) ولو أريد به غير الجماع لكان مختزلاً عمّا قبله. وعبّر عن الجماع باللمس المرادف للمسِ (١) الذي أُريد به الجماع فحسب في قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ) (٢) وقوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) (٣) وقوله تعالى : (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) (٤).
ولغير واحد من فقهاء القوم وأئمّتهم كلمات ضافية في المقام تكشف عن جليّة الحال نقتصر منها بكلمة الإمام أبي بكر الجصّاص الحنفي المتوفّى (٣٧٠) ، قال في أحكام القرآن (٥) (٢ / ٤٥٠ ـ ٤٥٦):
أمّا قوله تعالى : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً) ؛ فإنّ السلف قد تنازعوا في معنى الملامسة المذكورة في هذه الآية ، فقال عليّ وابن عبّاس
__________________
(١) راجع معاجم اللغة : [أنظر : لسان العرب : ١٢ / ٣٢٦ ، تاج العروس : ٤ / ٢٤٨]. (المؤلف)
(٢) البقرة : ٢٣٦.
(٣) البقرة : ٢٣٧.
(٤) الأحزاب : ٤٩.
(٥) أحكام القرآن : ٢ / ٣٦٩.