المفاعلة لا تكون إلاّ من اثنين إلاّ في أشياء نادرة كقولهم : قاتله الله وجازاه وعافاه الله ونحو ذلك ، وهي أحرف معدودة لا يُقاس عليها أغيارها ، والأصل في المفاعلة أنّها بين اثنين كقولهم : قاتله ، وضاربه ، وسالمه ، وصالحه ، ونحو ذلك ، وإذا كان ذلك حقيقة اللفظ فالواجب حمله على الجماع الذي يكون منهما جميعاً ، ويدلّ على ذلك أنّك لا تقول لامست الرجل ولامست الثوب إذا مسسته بيدك لانفرادك بالفعل ، فدلّ على أنّ قوله : (أَوْ لامَسْتُمُ) بمعنى أو جامعتم النساء فيكون حقيقته الجماع ؛ وإذا صحّ ذلك وكانت قراءة من قرأ : (أو لمستم) يحتمل اللّمس باليد ويحتمل الجماع وجب أن يكون ذلك محمولاً على ما لا يحتمل إلاّ معنى واحداً ؛ لأنّ ما لا يحتمل إلاّ معنى واحداً فهو المحكم ، وما يحتمل معنيين فهو المتشابه ، وقد أمرنا الله تعالى بحمل المتشابه على المحكم وردّه إليه بقوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) (١) الآية ، فلمّا جعل المحكم أُمّا للمتشابه فقد أمرنا بحمله عليه ، وذمّ متّبع المتشابه باقتصاره على حكمه بنفسه دون ردِّه إلى غيره بقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) فثبت بذلك أنّ قوله : (أو لمستم) لمّا كان محتملاً للمعنيين كان متشابهاً وقوله : (أَوْ لامَسْتُمُ) لمّا كان مقصوراً في مفهوم اللسان على معنى واحد كان محكماً ، فوجب أن يكون معنى المتشابه مبيّناً عليه.
ويدلّ على أنّ اللّمس ليس بحدث : أنّ ما كان حدثاً لا يختلف فيه الرجال والنساء ، ولو مسّت امرأة امرأة لم يكن حدثاً ، كذلك مسُّ الرجل إيّاها (٢) وكذلك مسُّ الرجل الرجل ليس بحدث. فكذلك مسُّ المرأة ، ودلالة ذلك على ما وصفنا من وجهين ؛ أحدهما : أنّا وجدنا الأحداث لا تختلف فيها الرجال والنساء ، فكلّ ما كان حدثاً من الرجل فهو من المرأة حدث ، وكذلك ما كان حدثاً من المرأة فهو حدث من
__________________
(١) آل عمران : ٧.
(٢) يعني ليس بحدث بالنسبة إلى المرأة. (المؤلف)