هل في الحديث المذكور ـ بعد فرض صحّته وقد زيّفه غير واحد من الحفّاظ (١) ـ غير أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام كان يثق برواية أبي بكر وأين هو عن أخذ العلم عنه؟ وهل علمه صلوات الله عليه مقصور على هذا الحديث الوارد في أدب من آداب الشريعة فحسب؟ وهل يبتني عليه شيء من أقضيته وفتاواه ، وما حلّه من عويصات المسائل في الفرائض والأحكام؟ وهل جهل عليهالسلام موقع هذا الحديث فعلمه أبو بكر؟ أو جهل شيئاً ممّا يبتني عليه فسدّده هو كما وقع كلّ ذلك فيما سردناه من نوادر الأثر؟ والمحتمل أنّ تصديقه عليهالسلام أبا بكر في روايته هذه لأنّه عليهالسلام كان سمعها عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه فلم يُلغِ الواسطة إذن لضرب من المصلحة ، وكيف يأخذ أمير المؤمنين العلم من أبي بكر وهو باب مدينة علم الرسول؟ كما أسلفناه (ص ٦١ ـ ٨١) ، وهو وارث علومه وحكمه كما مرّ في الجزء الثالث (ص ١٠٠) هذا لا يكون مهما هملج ابن تيميّة في تركاضه ، وهو يدّعي شيخوخة الإسلام ، وعلى هذا فقس بقيّة ما افتعله في كلامه هذا. وبعد ابني حزم وتيميّة قول صاحب الوشيعة المذكور (ص ٨٢).
٢ ـ وتعرف أيضاً بما ذكرناه قيمة تأوّل القوم للصحيحة المرويّة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين فتمسّكوا بها ، وعضّوا عليها النواجذ ، وإيّاكم ومحدثات الأُمور فإنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة» (٢) حيث نزّلوه على من تسنّم عرش الخلافة من بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم بالاختيار وبنصّ أبي بكر بعده وبالشورى ، ولم يسعهم إلاّ أن يذكروا عليّا أمير المؤمنين معهم ، إذ ليس من المعقول أن يأمر صلىاللهعليهوآلهوسلم باتّباع سيرة من لا سيرة له إلاّ الأخذ من أفواه الرجال في الفقه والكتاب والسنّة أو الفتيا برأيه ، قائلاً : إنّي سأقول فيها برأيي فإن يك صواباً فمن
__________________
(١) راجع تهذيب التهذيب : ١ / ٢٦٨ [١ / ٢٣٤]. (المؤلف)
(٢) راجع سنن ابن ماجة : ١ / ٢٠ [١ / ١٥ ح ٤٢] ، سنن أبي داود : ٢ / ٢٦١ [٤ / ٢٠٠ ح ٤٦٠٧] ، سنن الدارمي : ١ / ٤٥ ، مستدرك الحاكم : ١ / ٩٦ [١ / ١٧٥ ح ٣٢٩]. (المؤلف)