الله ، وإن يك خطأً فمنّي ومن الشيطان (١). إذن لأمر صلىاللهعليهوآلهوسلم باتّباع سير الناس والرأي المجرّد في دين الله. وليس هذا كالأمر باتّباع المجتهدين الذين يستنبطون الفتيا ممّا عرفوه من كتاب وسنّة وإجماع أو فقل من قياس ؛ فإنّ المجتهد يستنبط كما قلناه ممّا عرف ، والذي لا يعرف شيئاً ، ولم يحر جواباً عن واضحات المسائل ، وقد يحلف بأنّه ما يدري ما يصنع (٢) ، وتعزب عنه المسائل المطّردة مع كثرة الابتلاء بها : كالتيمّم ، والشكوك ، والغسل ، وفروع الصلاة ، والصوم ، والحجّ ، وأمثالها لا يمكن أن يكون متبعاً للأُمّة وأن تعطيه الخلافة قيادها.
على أنّ العلماء خالفوا سنّة عمر في موارد أسلفناها لمضادّة النصّ النبويّ لها ، ولو صحّ هذا التأويل لكانت مناقضة بين الحديث وبين النصوص المضادّة لفتيا عمر التي أوجبت إعراض العلماء عن قوله ، وكذلك بين شطري هذا الحديث نفسه وهما : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء بعدي». والمفروض أنّ سنّته صلىاللهعليهوآلهوسلم تخالف في الجملة سنّة الرجل.
والصحيح من معنى الحديث أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يرد من الخلفاء إلاّ الذين لم يزل ينصّ بهم بأسمائهم ، وجعلهم أعدال القرآن الكريم في قوله : «إنّي تارك فيكم الخليفتين ، أو مخلِّف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» (٣).
كما يقتضيه لام العهد وقد وصفهم بالرشد والهدى ، وهم الذين طابقت سيرتهم سيرته حَذو القذّة بالقذّة ، لا الذين لم يعرفهم بعد ولا نصبهم ولا أوصى إليهم ولا بهم ، ولا يذكر صلىاللهعليهوآلهوسلم هناك عدداً ينطبق عليهم ، وإنّما ذكر أوصافاً لا تنطبق إلاّ على الذين
__________________
(١) كما مرّ في نوادر الأثر : ص ١٢٩ [١٨٤]. ويأتي تفصيل القول فيه في الجزء السابع. (المؤلف)
(٢) كما مرّ في نوادر الأثر في غير موضع. (المؤلف)
(٣) هذا الحديث ممّا اتّفقت الأئمّة والحفّاظ على صحّته. (المؤلف)