فأكبر ذلك وقال : يا مولانا أنت وآباؤك الأئمة من ولد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما صفا لكم المغرب فكيف يصفو لي وأنا صنهاجيّ بربريّ ؟! قتلتني يا مولانا بغير سيف ولا رمح. فما زال به المعز حتى أجاب.
فلمّا ملك جوهرُ مصر بادر حسن بن جعفر الحسني بالدعاء للمعز في مكة ، وبعث إلى « جوهر » بالخبر ، فسيّر إلى المعزّ يعرّفه بإقامة الدعوة له بمكة ، فأنفذ إليه بتقليده الحرم وأعماله ، وسار المعز بعساكره من المغرب حتى نزل بالجيزة ، فعقد له جوهر جسراً جديداً عند المختار بالجزيرة ، فسار إليه وقد زيّنت له مدينة الفسطاط فلم يشقها ، ودخل إلى القاهرة بجميع أولاده وإخوته وسائر أولاد عبيد الله المهدي ، وذلك لسبع خلون من رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة ، فعندما دخل القصر صلّىٰ ركعتين ، وأمر فكتب في سائر مدن مصر : خير الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وأثبت اسم المعزّ لدين الله واسم أبيه عبد الله الأمير ، وجلس في القصر علىٰ سرير الذهب ، وصلّىٰ بالناس صلاة عيد الفطر في المصلّىٰ ، وركب لفتح خليج مصر يوم الوفاء وعمل عيد غدير خم. وقدمت القرامطة إلى مصر فسير إليهم الجيوش وهزموهم ، وما زال إلى أن توفي من علة اعتلّها بعد دخوله إلى القاهرة بسنتين وسبعة أشهر وعشرة أيّام وعمره خمس وأربعون سنة وستة أشهر تقريباً ، فإنّ مولده بالمهدية في حادي عشر شهر رمضان سنة تسع عشرة وثلاثمائة (١) ، ووفاته بالقاهرة لأربع عشرة خلت من ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاثمائة ، وكانت مدّة خلافته بالمغرب وديار مصر ثلاثاً وعشرين سنة وعشرة أيّام وهو أوّل الخلفاء الفاطميين بمصر وإليه تنسب القاهرة المعزية ، لأنّ عبده « جوهراً » القائد بناها حسب ما رسم له.
وكان المعز عالماً ، فاضلاً ، جواداً ، أحسن السيرة منصفاً للرعية ، مغرماً بالنجوم ، أُقيمت له الدعوة بالمغرب كله وديار مصر والشام والحرمين وبعض
______________________
١. وقد أرخ ميلاده عارف تامر بـ ٣٤٧ وهو خطأ واضح.