الإسلامية ، كالقبطيين الذي كانوا فراعنة أعصارهم ، لا لم يكونوا بهذه المثابة ، كما لم يكونوا نزيهين عن الآثام ، خلطوا المحاسن بالمساوئ ، شأن كلّ ملك يحكم ، وإن كانت محاسنهم أكثر من مساوئهم ، فأظن أنّ ما كتبته أقلام السير والتاريخ كلّها حدسيّات وتخمينات أخذوها من رماة القول على عواهنه ، فيجب على القارئ دراسة سيرة الفاطميين من رأس وأخذها من معين صاف غير مشوب بالعداء.
والذي يدل على ذلك أنّ الفقيه عمارة اليمني كتب إلى صلاح الدين قصيدة متضمنة شرح حاله وضرورته وسماها « شكاية المتظلم ونكاية المتألم » وهي بديعة ورثى أصحاب القصر عند زوال ملكهم ، بقصيدة لاميّة أجاد فيها. (١)
وعلى كلّ تقدير ، فبعد وفاة الطيّب بن الآمر وخلافة الأئمّة الأربعة المتأخرة ، الحافظ ، الظافر ، الفائز ثمّ العاضد ، دخلت الدعوة المستعلية بالستر وتوقفت عن السير وراء الركب الإمامي واتبعت نظام الدعاة مكان الأئمّة.
إلى هنا تم بيان أئمة المستعلية ، التي افترقت بعد المستنصر بالله ، وصارت فرقة عظيمة معروفة بالبهرة ، ولهم اليوم في الهند نشاطات ، ومدارس ودعايات ، وهم يمسكون بكتبهم عن الغير ويبخلون بها.
إنّ الإسماعيلية المستعلية انقسمت سنة ٩٩٩ هـ إلىٰ فرقتين : داودية ، وسليمانية ، وذلك بعد وفاة الداعي المطلق ، داود بن عجب شاه ، انتخبت مستعلية كجرات داود بن قطب شاه خلفاً له ، ولكن اليمانيين عارضوا ذلك وانتخبوا داعياً آخراً ، يدعىٰ سليمان بن الحسن ، ويقولون : إنّ داود قد أوصىٰ له بموجب وثيقة ما تزال محفوظة.
إنّ الداعي المطلق ، للفرقة الإسماعيلية المستعلية الداودية اليوم ، هو طاهر سيف الدين ، ويقيم في بومباي ـ الهند ـ أمّا الداعي المطلق للفرقة المستعلية السليمانية ، فهو علي بن الحسين ، ويقيم في مقاطعة نجران بالحجاز. (٢)
______________________
١. ابن خلكان : وفيات الأعيان : ٤٣٤.
٢. عارف تامر : الإمامة في الإسلام : ١٦٢.