والحديث عن العوامل التي أدّت إلىٰ نشوء الحركة القرمطية ، وقيام دولة القرامطة ، ذو شجون ، والخوض فيه يحتاج إلىٰ تفصيلات ، لا يتسع لها مجال هذه الدراسة ، التي قصدنا بها التعريف بالقرامطة ، وحركتهم بأكثر ما أمكننا من الإيجاز ، دون الدخول في التناقضات التي تميّزت بها أقوال المحققين.
كان المجتمعُ الإسلامي ، في أواخر العهد الأُموي يسير في طريق مُظلم ، وأنّ الدولة الأُمويّة الحاكمة ، العربيّة النزعة والطابع ، كما هو جليّ وواضح في تاريخها لم تكن تعتمد إلّا على العناصر الخالصة التي تنحدر من أصل عربي فلم يُعِنْ بنو أُمية بغير قومهم العرب ، فمنهم الولاة والقوّاد ، ورؤساء الدولة ، والعمال وحكّام الأقاليم ، والمقاطعات ، فضلاً عن أنّ زمام الأسواق التجارية والمهنيّة والزراعيّة ، والنفوذ والجاه ، كان أيضاً بأيديهم ، وبأيدي أنصارهم ، ولهذا كره الموالي ( غير العرب ) حكمهم ، وعملوا علىٰ إسقاطهم وكانوا معاول هدم في كيان الدّولة الأُمويّة.
إنّ المجتمع الأُموي كان يقوم علىٰ سيادة العنصر العربيّ ، فكان لا يتمكن أيُّ إنسان من الانتساب إلىٰ صفوفه إلّا بطريق الولادة ، ولم يكن أفراده يدفعون الضرائب عن أراضيهم ، وكانوا وحدهم أصحاب الحقّ ، بأن يتجنّدوا في الأمصار ، ويقبضوا الرواتب الشهرية المغرية ، فضلاً عن حقّهم بالأعطية من غنائم الفتوح ، ولم يكن حلول العباسيين محلّ الأُمويين أكثر من مجرد تغيير الأُسرة الحاكمة.
وبذلك تبين أنّ الأسباب
التي أدّت إلىٰ قيام الحركة القرمطية كانت هي أيضاً في جوهرها حركة قوميّة إقليميّة وإقتصاديّة واجتماعيّة ، ولعلّنا لا نأتي
بجديد حين نقول : إنّ الأُمويين بسياستهم هذه : قد مهّدوا الطريق لمن يريد ضرب الدّولة الإسلامية ، وكان أفضل وسيلة للمنفعلين بهذه الأسباب أن اتخذوا من الصراع العقائدي بين بني أُميّة وبين بني هاشم ، ذريعة لتقويض الحكم العربي العنصريّ ، ونقض التعاليم الإسلاميّة ، وذلك بادّعائهم الولاء للهاشميين في مطالبتهم