ومسّادا والمكوّر وغيرها ، فقد بنى مدينتين كبيرتين ، هما : قيساريا (قيصرية) على موقع حصن ستراتون ، وسبسطية على موقع السامرة. وبلغت قيساريا على الساحل شأنا عظيما في ضخامتها وأهميتها الاقتصادية ، إذ أصبحت الميناء الرئيسي لمملكة هيرودوس. وسبسطية ، التي أحب الملك موقعها ، بناها على النمط الهليني ، بإذن من الإمبراطور ، ودعاها على اسمه ، فحسنها وزينها ، ووطّن فيها أعدادا من جنوده المسرحين وأقطعهم الأراضي. كما أقام لنفسه فيها قصرا فخما ، وبنى منتجعا في أريحا ، وملاذا في مسّادا ، على البحر الميت.
واهتمامات هيرودوس العمرانية لم تتوقف على المباني الفخمة والقصور الجميلة فحسب ، بل تجاوزتها إلى القلاع والحصون في المواقع الاستراتيجية ، ومنها : المكور (شرقي البحر الميت ، حيث سجن وأعدم يوحنا المعمدان) وحشبون وألكسندرون ومسادا وهوركانيا (السجن الرهيب الذي أعدم فيه الكثيرون من خصوم هيرودوس). وعدا البناء ، اهتم بتطوير الزراعة واستصلاح الأراضي ، وبناء قنوات الري ، وخصوصا في غور الأردن ومنطقة أريحا. وكذلك أولى عناية خاصة لتحسين الطرق وبناء الجسور والموانىء ، وضبط الأمن على خطوط التجارة. فقد اهتم بطرق التجارة الشرقية (طريق الملك) ، التي كانت تمر عليها التوابل والعطور العربية إلى دمشق وغزة ، وبالقرب من غزة جدّد ميناء أنتيدون.
لقد أمّن هيرودوس نفسه على صعيد العلاقة مع روما. وكذلك ، وبوسائل متعددة ـ قمع وقبضة حديدية وإرهاب وشرطة سرية ودسائس وجهاز رقابة ضخم ... إلخ ـ حال دون تبلور معارضة محلية فاعلة. وإذ أخذ احتياطات واسعة لحماية نفسه ـ حصون وملاذات وحرس شخصي غير يهودي وبطانة مخلصة .. إلخ ـ فقد جاءته المفاجأة من داخل بيته. ففي السنوات الثماني الأخيرة من حكمه ، دبّ الصراع بين أبنائه ، من زوجات متعددات بشأن الميراث. وكان الأخطر عليه ابنا مريم الحشمونية ، ألكسندر وأرسطوبولوس ، فأعدمهما ، أسوة بوالدتهما وجدتهما من قبل ، لتآمرهما عليه بهدف إعادة الحشمونيين إلى الملك. وسرعان ما برز ابنه البكر ، أنتيباتر فأعدمه أيضا. ثم عين ابنا صغيرا ، أنتيباس وليا للعهد. لكنه على فراش الموت تراجع ، وكتب وصية فتحت باب الصراع بين الباقين من أبنائه بشأن الميراث.
وقبل أيام من موته ، وبعد أن أعدم أنتيباتر ، عيّن أرخيلاوس ملكا مكانه ، وأنتيباس واليا على الجليل وفيلبّس على الجولان وتراخونيا والباشان وبانياس ، لكن الوصية كانت معتمدة على موافقة القيصر الروماني. وأمام أكتافيوس في روما طرحت دعاوى متعددة. وبينما سعى كل واحد من أبناء هيرودوس للحصول على تعيين من