ولأنه من أصل أدومي ، ولم يكن مؤهلا لتولي الكهانة الكبرى ، فقد جرّد المنصب من الصلاحيات جميعها المدنية والسياسية ، وحصرها في المسائل الدينية ، واستبعد منها العائلات التي كانت لها صلات بالحشمونيين ، واستبدلها بأخرى مغمورة وموالية له ، وأوقف نهج تعيين الكاهن الأكبر مدى الحياة.
وقد بنى هيرودوس جيشا نظاميا كبيرا على النسق اليوناني ، عماده المرتزقة ، الذين ارتبطوا به شخصيا ، وشكلوا ثقلا موازيا للعنصر اليهودي فيه ، لأن هيرودوس الأدومي لم يأمن جانب اليهود في الجيش. وبعد تسريح هؤلاء المرتزقة ، وطّنهم في المدن الهلنستية ، واستعملهم في مهمات مدنية. كما قسم البلاد إلى ألوية (طوبارخيات) ، لكل منها مركز إداري ، على رأسه مسؤول هو الطوبارخوس ، وهي في يهودا : أورشليم وجفنا وعقربا وتمنا واللد وعمواس وبيت نطوفا وأدوم وعين جدي وهيروديون وأريحا. وفي الجليل خمسة ألوية ، هي : أربيل ومجدل وصفورية وعرب والجليل الأعلى. وفي شرق الأردن ثلاثة ألوية ، هي : بيت هرمتا وآبل وجادير (جدرا). وعلى كل من هذه المقاطعات حاكم (استراتيجوس) ، تميز بينهم حاكم أورشليم. وترك المدن الهلنستية في مناطق حكمه تتمتع بالإدارة الذاتية ، وكانت له فيها مصالح اقتصادية واسعة.
ووردت على خزينة هيرودوس مداخيل كبيرة ، سواء من أملاكه ومرافقه الخاصة ، أو من الضرائب وموارد الدولة. وإذ ظلت الزراعة الركيزة الاقتصادية الرئيسية في مملكته ، فقد ازدهرت فيها التجارة والصناعة. وملك هيرودوس عقارات واسعة ، ورثها من عائلته في أدوم ، وضم إليها المصادرات الكثيرة من الخصوم السياسيين الذين صفاهم ، وعلى رأسهم الحشمونيون وأنصارهم. وجبى هيرودوس ضرائب دائمة على «الرأس» ، وعلى الأرض ، وأخرى موسمية مثل «ضريبة التاج». كما فرض المكوس على السلع التجارية ، وضريبة على استعمال الطرق والجسور والموانىء ، وعلى البيع والشراء ، كما على البيوت. وعلى العموم ، فإن هيرودوس سار على النهج اليوناني ، ولم يتورع عن أية وسيلة تزيد في مداخيله الضخمة ، فكان العبء المالي على رعاياه كبيرا ، وكثيرا ما سبب حالة من التذمر ، لكن هيرودوس استطاع معالجتها بوسائل متعددة ـ الترهيب طورا والترغيب حينا.
وبهذا الثراء أتاح هيرودوس لنفسه الإقلاع في حركة بناء ناشطة. فأقام بلاطا فخما في أورشليم ، وعددا من الحصون إضافة إلى القلعة (أنطونيا) ، على اسم ماركوس أنطونيوس ومسرحا ومدرجا. وأعاد بناء الهيكل بصورة فخمة ، لم يسبق لها مثيل. وفضلا عن عدد من الحصون والمنتجعات ـ الهيروديون وفصائيل وأنتيباترس