اليهود ، ومن رأى فيه ثائرا على حكم روما ، أو مصلحا دينيا ـ اجتماعيا ... إلخ. ولكن عندما أوضح المسيح أن رسالته ليست موجهة لإقامة مملكة على الأرض ، أو لحمل السيف ضد روما ، وراح يدين ممارسات الطبقة العليا المادية ، وينتقد التزمت الديني ، والتشبث بحرفية النصوص ، ويمتنع من التحريض على حكم الولاة الرومان ، انقلبت عليه أغلبية اليهود في فلسطين. ونظرا إلى الخطورة التي شكّلها عليهم بتعاليمه ، فقد تضافرت التيارات الرئيسية بينهم تطالب بإعدامه صلبا. ووافق الحاكم الروماني ، بيلاطس بونطوس ، على الطلب ، فجرى تنفيذه في أورشليم ، على جبل الجلجلة ، بحسب الرواية المسيحية.
ولكن المسيح بموته منح الحياة لرسالته. فأتباعه أكدوا أنه قام من بين الأموات ، وصعد إلى السماء. وبذلك أعطى البرهان على أنه «ابن الله» ، الذي ولد في الأرض ـ إنسانا ، وضحى بنفسه من أجل خلاص البشر. وبناء عليه ، فقد ولدت ديانة جديدة متمايزة عن اليهودية ، وراحت تنتشر في الخارج ، بفعل الرسل الذين كرسوا حياتهم للدعوة إلى اعتناق المسيحية. وقد لاقت هذه الدعوة قبولا أوسع خارج فلسطين ، لأنها طرحت نفسها ديانة عالمية ، وليس عقيدة خاصة باليهود ، أو بغيرهم فقط. وبرز في العمل على نشر المسيحية المتمايزة عن اليهودية بالعقيدة والشعائر الرسولان ، بطرس وبولس. وهذا الأخير ، الذي كان معاديا للمسيحية في البداية ، ثم اعتنقها ، اجتهد في نشرها على أساس الخلاص البشري على يد «ابن الله» ، والحاجة إلى الانبعاث الأخلاقي عبر الإيمان ومحبة الله والإنسان ، والخلاص كمكافأة على الإيمان بالمسيح ، والطهارة الأخلاقية والمسلكية.
وقد حققت التعاليم المسيحية ذات التوجه العالمي ، كما صنّفها بولس الرسول ، تقدما ثابتا ، لكنه كان بطيئا ، ومثقلا بالآلام والاضطهاد. ومع ذلك ، ثابر الرسل وأتباعهم ، ونشروا رسالتهم في المدن ، وخصوصا بين الطبقات الفقيرة. وبولس نفسه اعتنق المسيحية بصورة عجائبية في طريقه إلى دمشق. ومن هناك رحل إلى آسيا الصغرى ، فبلاد اليونان ، ومنها إلى روما ، حيث «استشهد» دفاعا عن المسيحية (نحو سنة ٦٧ م). واشتدت أعمال القمع ضد المسيحيين خلال القرن الثاني ، وبلغت الذروة في القرن الثالث ، وخصوصا أيام الإمبراطور ديوقلتيان. ويعود السبب في هذا الاضطهاد إلى رفض المسيحيين عبادة الآلهة الرومانية ، وإقامة الطقوس التي تفرضها الدولة. ثم ما لبثت المسيحية أن حققت انتصارها الكبير في أيام قسطنطين الأول.