السياسي البارز أكتافيوس (أغسطس) ، وعمل على نقل الدولة الرومانية إلى إمبراطورية كونية راسخة ، الأمر الذي نجم عنه اتخاذ إجراءات متعددة ، تمكّن من توحيد أراضي الإمبراطورية وشعوبها حول المركز في روما. وانقسم اليهود بشأن هذه الإجراءات ، بين معارض ومؤيد ومحايد. ودبّ الخلاف بين هذه التيارات المتعارضة في ظل حكم روماني مباشر ، فتحول إلى صراع مع روما. وبغياب هيرودوس ووسائله المتعددة ، اعتمد الولاة الرومان القوة العسكرية وسيلة لقمع التمرد. وراح الوضع يتفاقم ، والأحوال العامة تسوء. وفي هذه الأجواء المحتقنة بالتوتر ، ظهر المبشر بالديانة الجديدة ، «المسيح المخلص».
وفي خضم الأزمة ، وحالة الاختلال في أوجه النشاط بغياب قيادة موحدة ، برزت أربعة تيارات بين اليهود : تيار سعى للمساومة مع الرومان ، وعمل للسلام والحرية الدينية ، وكان قوامه أبناء الطبقات العليا ، الذين اكتفوا بالحفاظ على اليهود كجماعة دينية في إطار الإمبراطورية ؛ وتيار آخر ، أكثر اتساعا ، عارض التأثيرات الخارجية ، ودعا إلى تفسير تعاليم التوراة وتطويرها بحيث تواكب روح العصر. في المقابل ، كانت هناك جماعتان أخريان ، على طرفي نقيض ؛ الأولى ، متطرفة في مقاومتها للإجراءات الرومانية ، سياسيا ودينيا ، ودعت إلى التصدي لها بحمل السلاح ، وكان قوامها سكان الريف ؛ والثانية ، زاهدة ، صوفية ، انعزالية ، رأت الخلاص الذاتي في التطهر الروحي. وقد خرجت إلى أطراف الصحراء لتقيم تجمعاتها الخاصة ، ويبدو أن يوحنا المعمدان لم يكن بعيدا عن هذه الجماعة الأخيرة. وقد بشّر بالخلاص القريب ، عبر المسيح المخلص.
في هذه الأجواء المشحونة ، ولد يسوع الناصري في بيت لحم. ولعل ذلك كان سنة ٤ ق. م. ، أي عام مات هيرودوس ، الأمر الذي اعتبر أنه جاء مواكبا ل «قدوم الساعة» ، وبالتالي وقع بحسابات وإرادة إلهية. وبشّر به يوحنا المعمدان الزاهد على أنه المخلص. ومنذ أن شرع في التبشير برسالته ، أعلن يسوع المسيح أن ملكوت الله الموعود أصبح قريبا ، وبناء عليه ، دعا الناس إلى المباشرة حالا بإعداد أنفسهم للتوبة وإحياء الروح ، عبر رفض متاع الدنيا ، والتوجه إلى حب الله والناس. وإذ لم يطالب الناس في البداية بترك ديانتهم ، فإنه دعاهم إلى تجاوز الطقوس الشكلية ، وفتح قلوبهم إلى الله. ولم يدع المسيح إلى الصدام مع روما ، بل أكد على ضرورة إعطاء «ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله.»
وعندما راح يسوع الناصري ، وهو يناهز الثلاثين من العمر ، يجوب البلاد ويبشّر بتعاليمه ، أثار اهتماما بين الناس من مواقع متعددة. فهناك من رأى فيه مجدّدا لملك