شمعون باركوخبا (باركوزبا). وبعد قمع التمرد واجتياح آخر معاقله ـ بيتار (بتير) ـ بالقرب من أورشليم ، أمر هدريان بمنع اليهود من ممارسة شعائرهم الدينية ، وحظر عليهم دخول المدينة ، وأجلاهم من جوارها ، وهدم الكثير من القرى في محيطها ، وباع أعدادا منهم عبيدا ، كما هرب كثيرون إلى البلاد المجاورة. ومنذئذ ، صار الرومان يسمون المدينة الجديدة «إيليا كابيتولينا» ، والبلد «فلسطين السورية». ونشر هدريان فيلقا رومانيا آخر (الفيلق السادس) في مرج ابن عامر (مجدو) ، التي أصبح اسمها ليجيو (اللجون).
وبعد موت آخر الأباطرة الخمسة الصالحين ، ماركوس أوريليوس (١٨٠ م) ، بدأت مرحلة من التدهور السريع في أوضاع الإمبراطورية الرومانية ، تضافرت على صنعها مشكلات داخلية وخارجية. أمّا داخليا ، فقد راحت روما تعاني المشكلات التي تصيب الإمبراطوريات الكبيرة في زمن الشيخوخة ـ علاقات متردية بين السلطة والناس ومراكز قوى داخل السلطة ذاتها وفساد جهاز الدولة وعلاقات متوترة بين المركز والأطراف وتراجع اقتصادي وعسكرة الدولة .. إلخ. وخارجيا ، انقلبت حالة الهدوء على الحدود إلى حالة حرب مع الجرمان ، من جهة ، ومع الفرس ، من جهة أخرى. فبعد سقوط الفرثيين ، وتولي الساسانيين مكانهم (٢٢٦ ـ ٦٤١ م) ، سارع حكام إيران الجدد إلى تسخين الجبهة مع روما ، نقضا للاتفاق الذي عقده هدريان مع الفرثيين.
وكان طبيعيا أن تترافق مرحلة التراجع الروماني مع حالة من اختلال الأمن والعلاقات الداخلية في أنحاء الإمبراطورية جميعها ، وعلى أكثر من صعيد. فالأباطرة الذين توالوا على العرش ، دانوا بسلطانهم للجنود الذين رفعوهم إلى هذا المنصب. فكان عليهم أن يعوضوا الجيش عن خدماته بالامتيازات التي منحوه إياها. والتناحر بين فئات الجيش ترافق بالعنف والقمع وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية ، فانهار السلم الروماني ، واندلعت الحروب الأهلية وعمّ التمرد والفوضى. وقد لقي المسيحيون مزيدا من الاضطهاد والمطاردة. ومع ذلك ، انتشرت المسيحية وتغلغلت في طبقات متعددة من المجتمع. وكأنما التطورات السلبية في الإمبراطورية كانت تستدعي بروز ديانة جديدة ، فتقدمت المسيحية لتقدم المطلوب.
إن هبوط المستوى الأخلاقي لجهاز الدولة ، من القمة إلى القاعدة ، أضعف الديانة المدنية الرومانية في نظر الناس. والفوضى التي عمت أنحاء الإمبراطورية ، دفعت الكثيرين إلى البحث عن الخلاص عبر ديانة تشكل قاسما مشتركا بين الشعوب