وفي ربيع سنة ٧٠ م ، فرض تيطس الحصار على أورشليم ، وكانت الأوضاع فيها قد تدهورت إلى حد أن الحصار لم يردع المتصارعين عن الاستمرار في القتال بين بعضهم البعض. وبعد حصار استمر خمسة أشهر ، شاركت فيه أربعة فيالق رومانية ، سقطت المدينة. فهدمت أسوارها ، وحرق هيكلها ، واستبيحت. فقتل الكثيرون من المتمردين ، وبيع غيرهم عبيدا ، كما حمل تيطس عددا منهم إلى روما ، ليساق في موكب النصر الكبير الذي أقيم له لدى عودته. وكان تيطس قد ترك استكمال مهمة إخضاع قلعة مسادا الحصينة على البحر الميت إلى القائد باسوس ، الذي دخلها سنة ٧٣ م ، بعد حصار طويل ومرير ، عمد في نهايته المدافعون إلى الانتحار الجماعي. (وإشارة إلى هذه الحادثة ، صيغ مصطلح «عقدة مسادا»).
بعد سحق التمرد وتدمير أورشليم ، بقيت فلسطين عموما تحت سيطرة الفيلق العاشر الروماني ، وبالتالي فقائد الفيلق كان الحاكم ، وأقام في قيساريا ، بعد خراب أورشليم الكامل. واعتبرت الأراضي كلها ملكا للإمبراطور ، تجب عليها الضريبة ، إضافة إلى «ضريبة الرأس». وفي هذه الفترة ، أقيم عدد من المدن الرومانية ، على النمط الهلنستي ، ومنح حكما ذاتيا خاصا في مواقع جديدة ، أو على أنقاض مدن قديمة في فلسطين ، مثل : عمواس (نيكوبولس) ونابلس (نيابولس) وإيليا كابيتولينا (على أنقاض أورشليم) وصفورية (ديوسيزارية) ويبنى (يمنيا) وأسدود (أزوتس) ورأس العين (أنتيباترس) وأرسوف (أبولونيا) وجبع (جباتا) ويافا (فلافيا يوبي) وطبرية.
عندما استتب الحكم لأكتافيوس (أغسطس) ، بدأت مرحلة في تاريخ الإمبراطورية عرفت باسم «السلم الروماني» (باكس رومانا) ؛ وفيها فترة من الاستقرار (٩٦ ـ ١٨٠ م) ، هي فترة «الأباطرة الخمسة الصالحين» ، وهم : نرفا (٩٦ ـ ٩٨ م) وتراجان (٩٨ ـ ١١٧ م) وهدريان (١١٧ ـ ١٣٨ م) وأنطونيوس بيوس (١٣٨ ـ ١٦١ م) وماركوس أوريليوس (١٦١ ـ ١٨٠ م). في هذه الفترة ، استغل الأباطرة الهدوء على حدود الإمبراطورية لتكريس الاستقرار الداخلي ، ورأوا أن ضمّ المناطق الحدودية مباشرة يخدم ذلك. فعمد تراجان إلى إخضاع البتراء ، عاصمة الأنباط ، وضمها. واستمر الأنباط يؤدون دورا مهما في تجارة الشرق ، مستفيدين من «الطريق الجديد» (فيانوفا) الذي بناه تراجان شرقي الأردن. وجعل هذه المنطقة «الولاية العربية» ، التي رابط فيها «الفيلق الثالث» الروماني.
أمّا الإمبراطور هدريان ، فقد أقام سلاما مع الفرثيين ، وخطط لبناء مدينة فخمة على خرائب أورشليم ، التي كانت منذ أيام تيطس عبارة عن معسكر ومستودعات للجيش. فأثار ذلك تمردا بين اليهود ، استمر ثلاث سنوات (١٣٢ ـ ١٣٥ م) ، وقاده