إيليا كابيتولينا تميّزت بموقعها ، فكانت أعلى من قيساريا ، مع أن الأخيرة ظلت أعلى إداريا ، إذ كانت هي العاصمة الفعلية ، ومقر الحاكم البيزنطي. وليس ذلك إلّا للأهمية التي صارت تولى لإيليا كابيتولينا بعد بروز الديانة المسيحية ، لأنها أهم مراكز التراث المسيحي. وبسبب هذا الموقع المتميز ، صارت فلسطين تسمى بالتدريج «الأرض المقدسة». وبتغييرات طفيفة ، ظل هذا الترتيب قائما لفترة طويلة ، ولم يتغير بصورة جذرية إلّا عند الاحتلال الفارسي (الساساني) ، في بداية القرن السابع الميلادي.
وعلى الرغم من الاضطرابات المتكررة ، وما تجرّه من خراب ، فقد بنيت مدن كثيرة في فلسطين خلال هذه الفترة. وإضافة إلى المدن التي أنشأها هيرودوس : قيساريا وسبسطية وأنتيباترس (رأس العين) وفصائيل (شمال أريحا) وغيرها ، عمد الأباطرة الرومان إلى إقامة عدد منها. ففي أيام الإمبراطور فسبسيان (٦٩ ـ ٧٩ م) ، بدء العمل ببناء مدينة عمواس (نيكوبولس) ، حيث عسكر هناك قبل التقدم لاحتلال أورشليم. وعندما استكمل بناؤها ، منحت لقب بولس ، أيام ألكسندر سفيروس (٢٢٢ ـ ٢٣٥ م). وكذلك نشط في أيامه العمل في بناء نابلس (نيابولس) ، التي نمت لتصبح من كبريات مدن فلسطين ، حيث كانت تقام الاحتفالات الكبرى والألعاب الرياضية. وفي بداية حكم الولاة الرومان في فلسطين ، جرى توسيع أراضي المدن ، وكذلك تطوير الإدارة الذاتية فيها ، إذ أصبح البلد كله تقريبا عبارة عن «اتحاد مدن». ومنذ أيام فسبسيان منحت مدن كثيرة جديدة حكما ذاتيا ومنها : يبنى وأسدود وأنتيباترس وأرسوف وجبع ويافا وطبرية (التي بناها أنتيباس ، ابن هيرودوس وجعلها عاصمته نحو سنة ٢٦ م) وصفورية (التي كانت عاصمة أنتيباس قبل الانتقال إلى طبرية ، فمنحت لقب بولس أيضا). وبعد ذلك أقيمت اللد (ديوسبولس) وبيت جبرين (إليوتيروبولس) في القرن الثاني الميلادي.
وبعد القضاء على تمرد باركوخبا (١٣٢ ـ ١٣٥ م) ، بدأ الإمبراطور هدريان (١١٧ ـ ١٣٨ م) ، الذي كان مولعا بالشرق ، ومحبا للعمارة والبناء ، بإقامة إيليا كابيتولينا ، بعد أن ظلت معسكرا للجيش الروماني منذ أيام تيطس ، وخراب الهيكل الثاني. وأرادها الإمبراطور أن تكون مستعمرة رومانية ، تضم كل المؤسسات المعروفة في المدن الهلنستية ـ هيكل روماني وجمناسيوم وغيرهما من المؤسسات العمرانية والثقافية الجميلة. وأخرج هدريان اليهود من إيليا كابيتولينا ، وحظر عليهم الدخول إليها والإقامة فيها. فانتقل المركز اليهودي إلى يبنى ، حيث راح يتبلور سنهدرين جديد ، وأصبحت المدينة مركزا للدراسات التوراتية ، وفيها تمّ جمع عناصر الشريعة اليهودية ، وتصنيفها في كتاب «المشنا». وكان تراجان (٩٨ ـ ١١٧ م) احتل البتراء