سفيان. وعبر عمرو بن العاص إلى مصر ، وغيره من المنافسين المحتملين ، مثل سعد بن أبي وقاص ، إلى العراق ، فبقيت ولاية الشام لمعاوية حتى نهاية الخلافة الراشدية. وقد أطلق الخليفتان ، عمر وعثمان ، يد معاوية في بلاد الشام ومتابعة الصراع مع البيزنطيين. وفي أيامه ، نزل الكثير من القبائل التي جاءت غازية بلاد الشام وفلسطين ، إضافة إلى من كان بهما من اليمانية قبل الإسلام. ولأن الصراع مع البيزنطيين استمر برا وبحرا ، إذ سيطر الأسطول البيزنطي على الشواطىء ، وكان يغير على المدن الساحلية ، ينهب ويخرب ، فقد استلزم ذلك من معاوية تحصين الساحل السوري ، وشحنه بالمقاتلين ، ريثما يبني الأسطول العربي.
وفي أيام ولايته قاد معاوية حربا مع البيزنطيين على جبهتين : الأولى برية في الشمال ، على طول جبال طوروس ، ووجهتها آسيا الصغرى ، بدأت دفاعية ثم تحولت إلى هجومية ؛ والثانية بحرية على طول الساحل السوري ، وهي الأخرى بدأت دفاعية ثمّ انقلبت إلى هجومية. ولتحصين خطي الجبهة ، أقام الحصون في الشمال (العواصم والثغور) ، وعلى الساحل رمم دفاعات المدن التي تتعرض لغارات الأسطول البيزنطي. وشحن معاوية هذه الحصون والقلاع والمدن المسوّرة بالمقاتلين ، وأنزل عائلاتهم بالقرب منهم. وبنى في عكا دارا لصناعة السفن ، واستخدم فيها أصحاب المهن من السكان الأصليين ، وكذلك البحّارة والمقاتلين من العرب وسواهم. وفي أيام عثمان استكمل معاوية بناء الأسطول العربي ، بعد أن أقام دارا أخرى لصناعة السفن في مدينة صور.
ومنذ عصر الفتوح الأول ، راحت تتضافر عوامل موضوعية وذاتية تهيّىء ولاية الشام لاحتضان الخلافة الإسلامية بدلا من المدينة. فالفتوحات الواسعة تركت المدينة عمليا بعيدة عن مسرح الأحداث ، التي انتقلت بثقلها ومضمونها السياسي والإداري ، كما بمادتها البشرية ، إلى الأراضي التي فتحت حديثا. وولاية الشام ، شكلا ومضمونا ، كانت مؤهلة أكثر من سواها لانتقال الخلافة إليها. ففيها غلب العنصر العربي بين السكان ، سواء بمن كانوا فيها قبل الإسلام ، أو بمن وصلوا إليها واستقروا في نواحيها بعده. وكذلك ، وبينما انهارت الإمبراطورية الفارسية ، وراحت الفتوحات العربية في أراضيها تتخذ نمط التوسع المستمر وترتيب الأوضاع الذاتية ، بما يواكب ذلك من صراعات داخلية ، فإن ولاية الشام ، وبفضل سياسة معاوية ، إلى حد كبير ، استقرت أوضاعها الداخلية ، وتوجه نشاطها الرئيسي إلى الصراع المصيري مع البيزنطيين ، الأمر الذي أعطاها موقعا متميّزا.
وإلى فترة طويلة ، لم يسلم البيزنطيون بفقدان بلاد الشام ، وظلوا ينتهزون كل