الإمبراطورة آيرين على مصالحته لقاء جزية كبيرة تدفعها سنويا. وبعد الرشيد قام المأمون بعدد من الغزوات الوقائية ، كانت تحمل طابع الردع. وبعد موت المعتصم ، وتزايد تدخل الجيش التركي في شؤون الخلافة ، انتهز البيزنطيون الفرصة وانتقلوا إلى الهجوم.
وتخلي العباسيين عن المشروع الأموي في وراثة بيزنطة ، أدّى إلى أن تصبح بلاد الشام في نظرهم ولاية حدودية هامشية. وعندما دبّ الضعف في مركز الخلافة ، ازداد إهمال هذه الولاية ، فسادت فيها الفوضى ، الأمر الذي أغرى البيزنطيين باستعادتها. ويروى أن المتوكل (٨٤٧ ـ ٨٦١ م) عزم على الانتقال من سامرّاء إلى دمشق ، هربا من هيمنة العسكر الترك على شؤون الحكم ، لكنه عدل عن ذلك تحت ضغطهم. وفي الربع الأخير من القرن التاسع ، وبعد فترة من الصراع الداخلي ، تولت السلطة في بيزنطة سلالة جديدة من الأباطرة ـ المقدونية ـ (٨٦٧ ـ ١٠٨١ م). وبادر هؤلاء إلى فتح الصراع مجددا مع الخلافة العباسية. وبعد نجاحات أولية حققها الإمبراطور بازل الأول ، عادت الحرب لتتخذ طابع المراوحة والغزوات المتبادلة ، وذلك لأن هذا الإمبراطور ، الذي جعل الصراع مع الخلافة الإسلامية في أعلى سلم أولوياته ، لم يفلح في استنفاد الفرص المواتية التي توفرت له.
واستمر الصراع الحدودي بين بيزنطة (دار الحرب) ودار الإسلام خلال القرن العاشر الميلادي. وبرزت فيه منذ نحو منتصف هذا القرن إمارة الحمدانيين في شمال سورية. وهذه السلالة العربية التغلبية ، أقامت عاصمتها سنة ٩٢٩ م في الموصل ، ثم توسعت غربا ، وضمت جندا حلب وحمص إليها. واشتهر من أمرائها سيف الدولة (٩٤٤ ـ ٩٦٧ م) ، الذي قضى حياته في الصراع الحدودي مع بيزنطة. وإذ حقق نجاحا في البداية ، واحتل مرعش مسقط رأس الأباطرة السوريين ، الذين أداروا الصراع مع العباسيين في القرن الثامن الميلادي ، إلّا إن الكفة مالت لاحقا لمصلحة البيزنطيين. ففي سنة ٩٦١ م ، احتلّ نيسفوروس فوكاس مدينة حلب من دون القلعة ، ثم انسحب. وعندما أصبح إمبراطورا (٩٦٣ ـ ٩٦٩ م) احتل قبرص ، ثم كيليكيا ، ثم أنطاكيا ، التي ظلت في أيديهم حتى سنة ١٠٨٤ م. وفي سنة حكمه الأخيرة ، احتلت حلب ثانية ، وأجبر أميرها سعد الدولة (٩٦٧ ـ ٩٩١ م) على الرضوخ لشروط صلح مذل.
وبعد فوكاس ، تابع خليفته تسيمسكس (٩٦٩ ـ ٩٧٦ م) سياسته في توسيع المناطق التي احتلها في سورية. وأعدّ نفسه للقيام بحملة صليبية ، هدفها انتزاع القدس من أيدي الفاطميين. وتوغل في سورية مستغلا حالة الفوضى التي تسودها فدخل دمشق ، وتقدم منها إلى بيسان (٩٧٥ م). وتقول المصادر اليونانية إن الناصرة وقيساريا