٩٤٢ م سار الإخشيد إلى دمشق وفتحها. ووقعت بينه وبين الحمدانيين معارك ، انتهت إلى الصلح. وتزوج سيف الدولة الحمداني ابنة أخي الإخشيد ، واتفقا على أن تكون حلب وأنطاكيا وحمص لسيف الدولة ، وبقية بلاد الشام للإخشيد ، الذي مات سنة ٩٤٦ م ، ودفن في القدس ، بوصية منه.
وولي على الشام ومصر بعد الإخشيد ابنه أبو القاسم أنوجور (٩٤٦ ـ ٩٦٠ م). وفي أيامه وقعت معارك بينه وبين سيف الدولة الحمداني ، دارت في فلسطين ، أولا بالقرب من الرملة ، ثم في اللجون ، وهزم سيف الدولة ، ودعا إلى الصلح ، فتم على الشروط التي كانت قائمة أيام الإخشيد. ومات أنوجور ، وحمل إلى القدس ودفن هناك. وتولى الحكم بعده كافور الإخشيدي (أستاذه) ، بداية كوصي على ابنه ، ولاحقا كوال. ومات كافور سنة ٩٦٨ م ، ودفن في القدس أيضا. وبعد موته بفترة قصيرة ، دخل الفاطميون مصر ، بقيادة جوهر الصقلي ، أمير جيوش الخليفة الفاطمي المعزّ لدين الله وقضوا على حكم الإخشيديين هناك (٩٦٩ م).
ومن الواضح أن بلاد الشام عامة شهدت حالة من التراجع الكبير بعد قيام الدولة العباسية. غير أن عرب الشام لم يسلّموا بهذا المصير ، وحاولوا الحفاظ على مكتسباتهم من أيام الأمويين ، ولكن بعد أن فقدوا الشروط الموضوعية والذاتية لذلك. وبناء عليه ، فقد بذلوا جهودا مضنية من دون مردود يذكر ، الأمر الذي عمق أزمة الولاية. وعندما كان العباسيون في ذروة قوتهم ، قمعوا تحركات أهل الشام بعنف ، فضعف هؤلاء ، ولم يكن عرب الشام في وضع يسمح لهم بتشكيل البديل ، وإنما انصرفوا إلى الصراعات الداخلية التي قامت بين ولاة الأجناد أو القبائل وغير ذلك. ومنذ أن بدأت نزعة الاستقلال تبرز في مصر ، وقعت بلاد الشام ، وخصوصا الجزء الجنوبي منها ـ فلسطين ـ بين مطرقة مصر وسندان العراق مرة أخرى ، وساءت أحوالها أكثر.
ومبكرا في حكمهم الطويل ، تخلى العباسيون عن فكرة استكمال المشروع الأموي باحتلال القسطنطينية. وفي الواقع ، فإنه بعد حملة مسلمة الشهيرة ، وحصار القسطنطينية في أيام الإمبراطور ليو الثالث ، السوري الأصل ، وفشل العرب في احتلالها واضطرارهم إلى الانسحاب (٧١٨ م) ، لم تجر محاولات جادة لإسقاط المدينة «التي يحرسها الله» ، كما يقول البيزنطيون. وعلى العكس ، فقد انتهز هؤلاء فرصة الانقلاب العباسي ، وراحوا يعملون على توسيع حدودهم في الشرق ، الأمر الذي اضطر العباسيين إلى الرد. ففي أيام المهدي (٧٧٥ ـ ٧٨٥ م) ، قام ابنه هارون الرشيد سنة ٧٨٢ م بغزوة كبيرة ، وأوغل في بلاد الروم ، وحاصر القسطنطينية ، وأجبر