بغداد. وتبعهم الأغالبة (٨٠٠ ـ ٩٠٩ م) في تونس ، إلى أن قامت الدولة الفاطمية هناك. وفي الشرق قامت عدة إمارات وسلطنات ، منها من فرض هيمنته على دار الخلافة نفسها. أمّا في مصر ، فقامت دولة الطولونيين (٨٦٨ ـ ٩٠٥ م) ، ومدت سلطانها على فلسطين وبلاد الشام. ثم تلا سقوطها قيام سلالة أخرى ، هي الإخشيدية (٩٣٩ ـ ٩٦٩ م) ، وسيطرت على فلسطين ، إلى أن قضى عليها الفاطميون.
وكان أحمد بن طولون تركي الأصل ، ولاه الخليفة العباسي مصر ، ثم ما لبث في أيام المعتمد (٨٧٠ ـ ٨٩٢ م) أن أعلن استقلاله برفضه إرسال خراج مصر إلى بغداد. وبعد أن استتب له الأمر هناك ، عمل على توسيع سلطانه في بلاد الشام. وانتهز فرصة اندلاع الفوضى في فلسطين ، إذ نشب قتال بين قبيلتي لخم وجذام ، وخرج واليها (ابن الشيخ) على إرادة الخليفة ، فاحتل ولاية الشام إلى حدود الجزيرة. وبعد موته (٨٨٤ م) ، خلفه ابنه خمارويه ، فثار عليه بعض أعوان أبيه ، واندلع القتال بتحريض من الخليفة العباسي عليه. لكن خمارويه ، بعد هزيمة لحقت به في دمشق ، استطاع أن يصمد في فلسطين (الرملة) ، وأن يصد أعداءه ، ويستعيد سلطته على ولاية الشام ، فأقرّه الخليفة الموفّق عليها سنة ٨٨٦ م.
واشتهر خمارويه بالبذخ ، فزوّج ابنته قطر الندى للخليفة المعتضد. وبعد مقتله في دمشق سنة ٨٩٥ م دبّ الخلاف في أسرته ، وعمت الفوضى بلاد الشام ومصر ، وانتهزت القبائل الفرصة وتمرّدت على السلطة. كما استغل القرامطة حالة الفوضى ، ونشطوا في نشر دعوتهم في بلاد الشام ، واستقر بعض دعاتهم بقصبة فلسطين ـ الرملة. وخلال أربعين عاما تقريبا ، ظلت فلسطين ساحة قتال ، تارة بين الولاة الأتراك ، وأخرى بين القبائل العربية ؛ وتارة بين السلطة والقرامطة ، وأخرى بين السلطة والخارجين عليها من ولاتها. وجرّاء الفوضى لحق بالبلاد الخراب واختلال الأمن ، إلى أن استطاع الإخشيديون (٩٣٥ ـ ٩٦٩ م) السيطرة على الوضع ، واستلام السلطة في مصر وبلاد الشام ، بعهد من الخليفة.
والإخشيديون من الأتراك الذين استقدمهم المعتصم. ثم دخلوا في خدمة الطولونيين أيام خمارويه. وبرز منهم محمد بن طغج المعروف بالإخشيد ، وكان قد ولي طبرية ، فهزم جمعا من لخم وجذام تعرض لقافلة حجاج شامية ، فعلا شأنه. وولاه الخليفة الراضي مصر والشام سنة ٩٣٥ م ، فاستطاع فرض سلطته عليهما بعد فترة من الفوضى عمّتهما. ثم ما لبث أن اصطدم بمحمد بن رائق ، أمير الأمراء السابق في بغداد الذي وصل إلى دمشق وأعلن سلطانه عليها. ثم تصالحا على أن تكون الشام لابن رائق ، ومصر للإخشيد. وبعد مقتل ابن رائق في معركة مع الحمدانيين سنة