التضييق السياسي والاقتصادي ، الأمر الذي أدّى إلى التململ ، وتحيّن الفرص للتمرد والثورة. وقد شهدت بلاد الشام ، بما فيها فلسطين ، عددا من الثورات منذ بداية العصر العباسي ، كان طابعها العام محاولات القبائل العربية استعادة موقعها في الدولة ، الذي فقدته بزوال الأمويين.
لقد استطاع عبد الله بن علي إخضاع بلاد الشام بيد من حديد ، وبالتالي تثبيت حكم العباسيين فيها ، وإكراه الناس على بيعة أبي العباس السفاح (٧٥٠ ـ ٧٥٤ م). ولكن ما أن توفي الخليفة حتى قام في فلسطين أحد أحفاد روح بن زنباع الجذامي ، يدعو بالخلافة إلى أمير أموي ، هشام بن يزيد ، فقمعها صالح بن علي ، عامل أبي جعفر المنصور (٧٥٤ ـ ٧٧٥ م) على مصر. ثمّ نشبت ثورة أخرى أيام هارون الرشيد (٧٨٦ ـ ٨٠٨ م) ، قادها في جنوب فلسطين أبو النداء (٨٠٥ م) ، فقمعت أيضا. وفي خلافة الأمين (٨٠٨ ـ ٨١٣ م) ، نشبت ثورة السفياني في دمشق ، وامتدت إلى فلسطين. وفي خلافة المأمون (٨١٣ ـ ٨٣٣ م) اندلعت ثورة نصر بن شبث العقيلي (٨١٣ م) ، ودامت ١٣ عاما ، قبل أن تسحق (٨٢٥ م). وفي أيام المعتصم (٨٣٣ ـ ٨٤١ م) ، الذي أسقط عرب الشام من ديوان العطاء ، قامت ثورة المبرقع اليماني الفلاحية ، لأسباب سياسية واقتصادية.
وهذه الثورات وغيرها في فلسطين وبلاد الشام عامة ، خلال القرن الأول من حكم العباسيين ، تشير إلى حالة التململ التي سادت هذه الولاية بعد سقوط الأمويين. وقد ألصق الكثير من هذه الثورات باسم أحد أفراد البيت الأموي ، حقيقة أو زيفا ، لما كان يتمتع به هؤلاء من ولاء بين عرب الشام. لقد عاد عرب الشام ، بعد أن استفاقوا على تدهور أوضاعهم نتيجة الحكم العباسي ، محاولين استعادة موقعهم الذي فقدوه ، ولكن من دون جدوى. فدخلت الولاية في مسار من تردّي الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية ، وساءت الحالة على تلك الصعد جميعا. وتواكب ذلك مع تراجع هيبة الخلافة في بغداد ، بعد بروز العنصر التركي العسكري ، الذي استقدمه المعتصم ، واستند إليه في حكمه. كما تزامن مع بروز نزعة الاستقلالية في الولايات البعيدة ، في الشرق كما في الغرب. وبالنسبة إلى فلسطين ، تكتسب التطورات في مصر أهمية قصوى ، أيام الطولونيين والإخشيديين ولاحقا في أيام الفاطميين.
فمنذ البداية ، فقد العباسيون الأندلس ، إذ فرّ إليها صقر قريش ، الأمير الأموي عبد الرحمن بن معاوية ، الملقب الداخل ، وأسس الخلافة الأموية المزدهرة هناك. ثمّ ما لبث الإدريسيون أن أسسوا دولتهم في المغرب (٧٨٨ ـ ٩٧٤ م) ، واستقلوا عن