ودخل الرملة ، فعقد حلفا مع بني الجراح (الطائيين) ، وتابع مسيرته إلى يافا ، ومن هناك إلى مصر ، حيث هزمه جوهر الصقلي بالقرب من القاهرة. وتراجع الأعصم إلى فلسطين ، وسار جوهر في إثره ، ودارت بين الطرفين معارك كرّ وفرّ ، كانت فلسطين ساحتها الرئيسية ، وانتقلت عاصمتها الرملة ـ من يد إلى أخرى. وظل الأمر كذلك مدة ثلاث سنوات تقريبا ، استطاع في نهايتها أبو محمود (ابن جعفر بن فلاح) إلحاق الهزيمة بالقرامطة واستعادة فلسطين ودمشق منهم ، ولكن لفترة قصيرة فقط.
فبعد أن استعاد الفاطميون السيطرة على دمشق ، عاث جنودهم (المغاربة) فسادا فيها. فثار الناس عليهم ، واستدعوا قائدا تركيا متمردا ، ألبتكين ، ليخلصهم من حكم الفاطميين ويلي الأمر في المدينة ، ففعل. وفي هذه الأثناء وصل تسيمسكس إلى أطراف دمشق ، فصالحه ألبتكين على أتاوة يدفعها ، وعدل الإمبراطور عن دخول دمشق ، وتقدم في اتجاه بيسان (٩٧٥ م). ولكن البيزنطيين انسحبوا في إثر اتفاق مع الفاطميين ، الذين تقدموا إلى دمشق للقضاء على ألبتكين ، وحاصروا المدينة ، وضيقوا عليها الخناق ، فاستعانت بالقرامطة ، وعاد الأعصم من الأحساء إلى الشام. واستطاع الحليفان دحر جيش الفاطميين ، بقيادة جوهر الصقلي ، ومطاردته إلى عسقلان ، حيث حاصراه ، وفرضا عليه صلحا ، أقر بموجبه الحكم لألبتكين على بلاد الشام.
لكن الخليفة الفاطمي الجديد ، العزيز بالله (٩٧٥ ـ ٩٩٦ م) رفض الاتفاق بين قائد جيشه ، جوهر ، وألبتكين ، وقرر أن يسير بنفسه إلى فلسطين للقضاء على تحالف القرامطة مع القبائل العربية والعسكر الترك. ومرة أخرى ، التقى الطرفان قرب الرملة (٩٧٧ م) ، وبعد قتال ضار حقق العزيز نصرا على التحالف ، لكنه لم يكن حاسما. وقدّر العزيز ، الذي عرف بحكمته الصعوبة التي ينطوي عليها تطويع هذه القوى بالحرب ، وخصوصا نتيجة التهديد البيزنطي. فاستمال بني الجراح الذين انتشروا في جوار الرملة ، وعفا عن ألبتكين ، وجعل له دارا للإقامة في القاهرة. أمّا الأعصم ، الذي انكفأ مرة أخرى في الأحساء ، فقد تعهد العزيز بدفع جعالة سنوية له ، لصرفه عن إثارة القلاقل ضد الفاطميين ، أسوة بما كان يفعله معه عمال الإخشيديين من قبل.
وبنو الجراح بطن من قبيلة «طيّىء» ، وهي بدورها فرع من كهلان القحطانية ، التي خرجت من اليمن وانتشرت في بلاد الشام والعراق ، قبل الإسلام وبعده. وقد حاربت طيّىء مع المثنى بن حارثة الشيباني أيام الفتح العربي للعراق. وفي العصر العباسي ، أصاب من نزل فلسطين من بطونها ما أصاب العرب جميعا في بلاد الشام ، ولم تكن راضية عن ذلك. وفي أيام الطولونيين (٨٩٨ م) ، قام صالح بن مدرك (الطائي) بعصيان على السلطة ، وهاجم قوافل الحج واستولى على أموالها. وفي