عن الأعصم ، فهزم. وتعاون بعدها بنو الجراح مع الفاطميين في قتال القرامطة ودحرهم من بلاد الشام ، وبذلك تعاظمت قوتهم ، وامتد سلطانهم داخل البلاد ، بينما تمركز الفاطميون ، كقوة عسكرية ، في المدن الكبرى ، وخصوصا الساحلية ، وأصبحت عسقلان ركيزة حكمهم ، لقربها من مصر ، ولأن ميناءها قاعدة أسطولهم ، الحربي والتجاري ، الكبير.
وفي سنة ٩٨٨ م تمرد المفرج على حكم الفاطميين ، بالتحالف مع سعد الدولة الحمداني. وعندما تولى الحاكم بأمر الله الخلافة الفاطمية (٩٩٦ ـ ١٠٢١ م) ، ومات المفرج (١٠١٣ م) ، انتهز الخليفة الفرصة للقضاء على سلطة بني الجراح. فأوفد جيشا من مصر ، وأمر آخر بالتحرك من الشام ، والتقى الاثنان في الرملة ، وأوقعا بحسان بن المفرج ، لكنه هرب ونجا. وبعد موت الحاكم بأمر الله ، عاد حسان واحتل الرملة سنة ١٠٢٤ م ، وذلك بالتحالف مع صالح بن مرداس ، على أساس أن للمرداسيين أراضي الحمدانيين سابقا ، ولبني الجراح فلسطين ـ ما يلي الرملة إلى حدود مصر. لكن الفاطميين عادوا وهزموه في طبرية سنة ١٠٢٩ م ، فقام بنو الجراح بمحاولة أخيرة سنة ١٠٤٢ م ، وكان حكم الفاطميين قد اهتز ، وطلائع السلاجقة دخلت بلاد الشام. فرحل بنو الجراح عن فلسطين ، ونزلوا منطقة البحيرة من أرض مصر.
وفي الأربعينات من القرن الحادي عشر ، بدأ السلاجقة يتسللون بأعداد محدودة إلى شمالي العراق وسورية. وكان هؤلاء الأتراك الغز ـ الذين دعوا سلاجقة على اسم زعيمهم سلجوق ـ قد دخلوا بلاد الإسلام تحت قيادته من منطقة القيرغيز في تركستان (٩٥٦ م). واعتنق هؤلاء الإسلام (السني) ، وراحوا يتوغلون في أراضي الإمارات والسلطنات الشرقية ، إلى أن دخلوا بغداد سنة ١٠٥٥ م ، بقيادة السلطان طغرل بيك وبطلب من الخليفة العباسي القائم (١٠٣١ ـ ١٠٧٥ م) ، فهرب من وجههم القائد العسكري التركي في بغداد ، البساسيري في آخر حكم البويهيين. لكن جماعات صغيرة من هؤلاء الأتراك كانت قد وصلت إلى سورية ، وحتى إلى فلسطين ، قبل ذلك ، ودخلت طرفا في الصراعات بين القوى المحلية ، كما حدث مع المرداسيين في حلب (١٠٦٠ م).
وفي السبعينات من القرن الحادي عشر ، كانت تسود بلاد الشام حالة من الفوضى وتدهور في الأوضاع الاقتصادية والسياسية. فالصراع بين الولاة الفاطميين ، وبينهم وبين زعماء القبائل العربية ، تفاقم بدخول الجماعات الغزية (الخوارزمية) وانخراطها في الصراع كمرتزقة. وقد استعان بإحدى هذه الجماعات (الناوكية) بدر الجمالي ، والي الشام الفاطمي الذي يحمل لقب أمير الجيوش ، لإخضاع القبائل