على الإمارات الصليبية في الشرق. وكانت له علاقات تحالفية مع كلج أرسلان ، أمير قونيا السلجوقي الذي كان زاره في القسطنطينية (١١٦١ م) ، وأمضى في ضيافته ٨٠ يوما. لكن مانويل ، بعد أن شعر بقوته ، خرج لقتال كلج أرسلان ، وقاد الحملة بنفسه ، بهدف احتلال قونيا (١١٧٦ م). غير أن كلج ألحق به هزيمة نكراء في معركة ميريو سيفالو ، إذ بالكاد استطاع الإمبراطور أن ينجو بنفسه. ومع ذلك ، عقد الطرفان صلحا مشرفا لمانويل الضعيف. وزاد في أزمة الإمبراطور عقد معاهدة فينيسيا (١١٧٧ م) ، التي وضعت حدا للخلافات بين ملوك أوروبا ، فحرمت مانويل من المناورة. وبذلك تدهور موقع بيزنطة ، في الشرق كما في الغرب ، وانتهزت الإمارات الصليبية الفرصة للتحرر من سيادة الإمبراطور عليها.
في هذه المرحلة ـ السبعينات من القرن الثاني عشر ـ كانت مملكة أورشليم اللاتينية في ذروة اتساعها. ففي الشمال كانت حدودها على نهر المعاملتين ، بين جبيل التابعة لإمارة طرابلس ، وبيروت التابعة للمملكة. ومن هناك على طول الساحل حتى دير البلح (دارون). ومن بيروت شرقا إلى منابع الأردن وسفوح جبل الشيخ. ومن هناك جنوبا ، إذ ضمت أجزاء من الجولان والجلعاد ، وكل منطقة مؤاب حتى أيلة. وفي الجنوب الغربي ، كان خط الحدود يمتد بين أيلة ودير البلح ، عبر صحراء النقب. وهذه الدولة الواسعة والقوية ، راحت تواجه دولة أخرى تتعاظم قوة في الشمال الشرقي ، بينما تسعى لضم مصر إليها ، مستندة في عملها هذا إلى الدعوة إلى الجهاد ضد الفرنجة في الشرق. وبعد موت نور الدين زنكي (١١٧٤ م) ، وتولي صلاح الدين الأيوبي مكانه ، موحّدا بذلك مصر وسورية ، ومن ثمّ سقوط حلب في يده (١١٨٣ م) ، وضع صلاح الدين مملكة أورشليم اللاتينية بين فكي كماشة ـ مصر وسورية ـ بقيادة موحدة ، تمتلك خطة مركزية لمواجهة الفرنجة.
بعد الحملة الثانية ، كان واضحا أن الكفة تميل لغير مصلحة الفرنجة في الشرق. وبينما كان المسار العام في الإمارات الصليبية هو الصراع من أجل الانفصال والتفتت ، كان العكس صحيحا في الجانب الإسلامي ، حيث الصراع محتدم من أجل التوحيد ، ويقوده صلاح الدين الأيوبي ، بعد موت نور الدين زنكي. وكان صلاح الدين يقوم بهجمات محدودة على أطراف مملكة أورشليم منذ أيام نور الدين ـ غزة (١١٧٠ م) والشوبك وأيلة (١١٧١ م) والكرك (١١٧٣ م). ولكن منذ سنة ١١٧٧ م ، أصبح قتال الفرنجة يتخذ لدى صلاح الدين صيغة خطة مبرمجة ، ترمي إلى تصفية مملكتهم في الشرق. ففي ذلك العام ، هاجم دير البلح وغزة ، واحتل الرملة ، وفرض حصارا على اللد ، ووصل إلى أرسوف ، لكنه هزم في معركة جيزر ، على يد بولدوين