توصلا إلى هدنة. وعاد العادل إلى تنظيم أمور ملكه ، وترتيب البيت الأيوبي ، الأمر الذي أثار آمالا كبيرة بين الناس. لكنه ما لبث أن عقد معاهدة مع آموري (١٢٠٤ م) لمدة ست سنوات ، تنظم العلاقات السياسية والتجارية بين الطرفين ، وتعيد يافا إلى ملك عكا ، وكذلك بعض الأراضي في منطقة صيدا ، مع ممر إلى الناصرة.
وهذه المعاهدة (١٢٠٤ م) تشير بوضوح إلى تخلي الجانبين عن الفكرة الأساسية للحروب الصليبية. فهي تركز على العلاقات التجارية ، وعلى المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة. وهي تنطلق من واقع التنافس بين القوى ، سواء في الشرق أو الغرب. وأوروبا التي دب الخلاف بين أقطابها ، لم تستطع استغلال تفتت الدولة الأيوبية بعد موت صلاح الدين. والألمان الذين تصدروا عمليات التوتير والتحرش في الشرق ، على أرضية مشروع هنري السادس ، انكفأوا بعد موته. وملك عكا ، آموري قطع كل أمل في إمكان استعادة الأراضي التي فقدتها مملكة أورشليم اللاتينية ، أيام صلاح الدين ، وخصوصا بعد أن غيرت الحملة الصليبية الرابعة وجهتها إلى القسطنطينية بدلا من فلسطين. ومنذ هذه الحملة ، راح يبرز دور المدن الإيطالية ، وخصوصا فينيسيا (جمهورية سان مارك) ، في تقرير أهداف النشاط الأوروبي في الشرق ، وتخضعه لخدمة مصالحها واعتباراتها التجارية.
وكان من نتائج الحملة الرابعة ، وإقامة مملكة لاتينية في القسطنطينية ، أن أصبحت هذه المدينة بؤرة استقطاب للفرنجة الذين كانت عيونهم على الشرق. كذلك ، وبعد احتلالها ، حازت أسواقها اهتمام المدن الإيطالية الرئيسي ، كونها ركزت أولوياتها على تطوير علاقاتها التجارية مع الشرق ، وبالتالي وراثة أسواق القسطنطينية. فعملت تلك المدن ، وفي مقدمتها فينيسيا (البندقية) على عقد معاهدات مع الأيوبيين في كل من مصر وسورية. ولكن ، بعد موت آموري (١٢٠٥ م) ، خلفه جون دو براين ، الذي كانت لا تزال تساوره أحلام استعادة القدس ، فتوجه إلى طلب المساندة من البابا إنوسنت ، فجاءه المدد من ملك هنغاريا ، الذي توجه على رأس جيش إلى عكا (١٢١٧ م) ، بالتعاون مع ملك قبرص. لكن هذه المغامرة ذهبت سدى ، لأنها عمدت إلى الغارات العشوائية للتخريب والنهب في الجليل وبيسان والطابور والجولان وبانياس وتبنين والشقيف وغيرها. وفي أثناء الحملة ، أعيد تحصين قيساريا ، وبنيت قلعة عتليت (شاتو بيليرين). وفجأة غادر الملك الهنغاري فلسطين عائدا إلى بلاده ، من دون تحقيق أية نتائج ذات طابع دائم.
وانضمت بقايا هذه الحملة إلى المغامرة التي قام بها جون دو براين إلى مصر (الحملة الخامسة) ، فقد حشد هذا ما استطاع من جنود وسفن ، وما جاءه من مدد