وأنصفوه كما لم يفعلوا مع غيره في الشرق. لقد أعجبوا بصفاته ، فاستحوذ على خيال الشعراء والكتّاب ، كرمز للفروسية والمروءة والنبل.
ومثل الكثيرين من الرجال العظام في التاريخ ، مات صلاح الدين وترك وراءه فراغا ، لم يكن بين ورثته من يملؤه ، وتصارع الإخوة والأبناء بشأن اقتسام التركة المادية الكبيرة ، من دون اكتراث بالإرث المعنوي. وصار الجهاد بالنسبة إليهم مسألة سياسية دنيوية ، كما هي الحال بالنسبة إلى الفرنجة في الحملات المتعددة اللاحقة. فالحملة الرابعة كانت موجهة لاحتلال القسطنطينية ، والخامسة والسابعة ضد مصر. وفقط السادسة كانت لها علاقة ما بفلسطين ، وانتهت إلى تغيير بعض بنود المعاهدة التي أمضاها صلاح الدين مع ريتشارد قلب الأسد. وكانت هناك حملات عبثية ـ حملة الأطفال الذين بيعوا عبيدا في سوق النخاسة ، وحملة الرعاة الذين قتلوا في أوروبا ... إلخ. كما قام البابا بحملات ضد ملك إنكلترا وصقلية. وهكذا ظلت الحروب الصليبية مستعرة ، ولكن خارج فلسطين ومن دونها.
وتقاسم أبناء صلاح الدين وإخوته تركته ، واختلفوا عليها واقتتلوا من أجلها ، وانتقلت الولايات من يد إلى أخرى. فوقعت فلسطين بداية في يد الابن البكر ، الأفضل الذي احتفظ بدمشق وبعلبك والساحل وفلسطين ، ما عدا الشريط الصليبي بين صور ويافا. ثم ما لبثت أن انتقلت إلى يد العزيز ، الابن الذي احتفظ بداية بمصر. وخلال عام انتقلت إلى العادل ، أخي صلاح الدين الذي أخذ الأراضي التابعة للأفضل ، ثم بعد موت العزيز ، أخذ مصر كذلك ، ودمشق ، بعد قتال مع أبناء أخيه. وبذلك أصبح العادل رجل بني أيوب ، بعد صلاح الدين. وبهذه الصفة تولى إدارة الصراع مع الصليبيين ، الذين لم يتوقف تدفقهم على الشرق ، بصورة أو بأخرى. وفي أيام العادل برز الصليبيون الألمان (التيوتون) ، يحملون مشروع الإمبراطور هنري السادس (١١٩٠ ـ ١١٩٧ م) ، في حين اعتبروا أنفسهم غير ملزمين بالمعاهدات المعقودة سابقا.
وهذا التنظيم الألماني (التيوتوني) ، الذي تشكل أيام حصار عكا (١١٨٩ ـ ١١٩١ م) ، خرق الهدنة بين الأيوبيين وملك عكا (أورشليم اسما) ، فقاتلهم العادل وهزمهم بالقرب منها. ثم اصطدم مع ملك عكا ، آموري الذي كان يعد لاحتلال بيروت ، فهزمه في معركة تل العجول (قرب غزة) ، سنة ١١٩٧ م. وردّا على الهزيمة ، احتل آموري ، بمساعدة الألمان ، بيروت (١١٩٧ م). فأوجد بذلك تواصلا مع طرابلس وأنطاكيا. ثمّ حاول التيوتون التوسع شرقا ، فحاصروا تبنين (جنوب لبنان) ، ثم انسحبوا عندما وصلهم خبر وفاة هنري السادس. وبعدها توقف الطرفان عن القتال ، بعد أن