ففي محاولاتهم استغلال التناقض بين دمشق والقاهرة ، نقل الفرنجة الصراع إلى داخلهم أيضا. وبينما مال الهيكليون إلى التحالف مع دمشق ، فضل الإسبتاريون التحالف مع مصر ، ووقف معهم التيوتون الألمان. وعندما اندلع الصراع مع فريدريك الثاني في أوروبا ، وامتد إلى قبرص وفلسطين انحاز إلى الهيكليين مناهضو القيصر ، وسعوا لعقد حلف مع دمشق ضد مصر ـ الحليفة التقليدية لفريدريك. وقاموا بغارات على الخليل ونابلس. وتصدى لهم أيوب ، من دون أن يكسر المعاهدة. ولكن عندما اندلع الصراع بين أيوب وكل من إسماعيل والناصر داود والمنصور إبراهيم ، صاحب حمص ، انضم الفرنجة إلى أعداء أيوب ، الذين وعدوهم بنصيب من ملك أيوب في مصر. وكان إبراهيم قد زار عكا ، حيث استقبل بحفاوة ، وأبرم الاتفاق. وإزاء هذا التحالف القوي ، توجه أيوب إلى عصابات الخوارزمية ، ودعاها إلى الدخول في خدمته ، وقتال تحالف دمشق ـ الفرنجة.
والتقط الخوارزميون هذه الفرصة السانحة ، إذ كانت كتائبهم تهيم على وجهها في المشرق ، تسطو وتنهب وتخرب ، وهي هاربة أمام زحف المغول. وفي طريقهم إلى مصر ، أغاروا على المدن والقلاع والحصون. ولما قاومت دمشق وصمدت في الحصار ، تجاوزوها وتقدموا إلى الجليل ، فأخذوا طبرية ، ومنها تقدموا إلى نابلس فالقدس. ولم يسارع أحد من التحالف إلى نجدة القدس ، فسقطت في تموز / يوليو ١٢٤٤ م في أيدي الخوارزميين ، فنهبوها وخربوها ، وأحرقوا كنيسة القيامة ، وطردوا الفرنجة منها ، ضمن اتفاق مع الناصر داود ، لم يلبثوا أن نقضوه وانقضوا على قافلة المطرودين وقتلوا الكثيرين من أفرادها ، واستكمل البدو في المنطقة المهمة. وبذلك خرجت القدس نهائيا من أيدي الفرنجة ، فلم يعودوا إليها بعد ذلك. وعندما التحق الخوارزميون بأيوب ، خرج هذا لمقاتلة أعدائه في قرية هربيا (قرب غزة) ، ودارت معركة طاحنة في تشرين الأول / أكتوبر ١٢٤٤ م ، كسبها أيوب ، وأنزل بأعدائه هزيمة ساحقة. وهناك من يعتبر معركة هربيا حطين ثانية ، ويرى في أيوب أحد الثلاثة العظام من بني أيوب ـ صلاح الدين والكامل وأيوب. واستبشر الناس خيرا ، لكن الأمر لم يدم طويلا.
وتفرغ الملك الصالح نجم الدين أيوب لتصفية الحساب مع باقي أفراد بني أيوب الذين تحالفوا مع الفرنجة ضده. فأخذ أملاك الناصر داود جميعها في فلسطين (الخليل وبيت جبرين والقدس والأغوار). ونزل دمشق فحاصرها ، واستسلم له عمه إسماعيل والمنصور إبراهيم ، الذي انضم إليه في دمشق. وبوساطة تجار دمشق وعلمائها ، أعطى أيوب بعلبك وبصرى لإسماعيل ، وحمص وتدمر لإبراهيم ، وبقي