وألحقوها ببغداد (١٢٦٠ م). ومنها ساروا إلى دمشق التي لقيت المصير نفسه. وهرب الناصر يوسف إلى غزة ، وهناك تخلى عنه معظم جيشه ، فعاد واستسلم للمغول ، الذين وعدوه بإعادة ملكه إليه. وبينما هذا السفاح ، هولاكو يعد للزحف على مصر ، وقد أرسل يهدد السلطان قطز الذي تولى الحكم في القاهرة (١٢٥٩ ـ ١٢٦٠ م) ، إذ به يقرر الانسحاب شرقا في اتجاه عاصمة المغول ـ قره قرم ـ ومعه أغلبية جيشه. إلّا إنه ترك خلفه أحد قادته ، كتبغا نوين ، ومعه جزء من الجيش ، والأمر باستئناف غزو مصر. وإزاء هذا الخطر ، عمل قطز على لمّ شمل قوات المسلمين ، فانضم إليه بيبرس ، عائدا من بلاد الشام ، وكذلك فلول عساكر الناصر يوسف الأيوبية.
وتقدم قطز على رأس جيشه لملاقاة المغول ، وفي مقدمته بيبرس. فاصطدم هذا الأخير بطلائع المغول عند غزة ، وقاتلهم وهزمهم. وتابع المماليك المسيرة بعد أن تجمعت قواتهم في عين جالود (وسط مرج ابن عامر). وهناك التقى الجيشان في معركة شرسة في ٦ أيلول / سبتمبر ١٢٦٠ م ، انتصر فيها المماليك ، وأنزلوا بالمغول هزيمة لم يعرفوها من قبل. ودحر المغول ، ووقع قائدهم كتبغا أسيرا وقتل. أمّا فلول جيشهم فقد فرت ، بينما المماليك تطاردها. وهذه المعركة الحاسمة غيّرت وجه التاريخ في غرب آسيا. فبينما كبحت تقدم المغول ، نقلت مركز الثقل السياسي في الشرق الإسلامي إلى القاهرة ، وعلى رأس الحكم فيها المماليك. وهؤلاء ، بعد أن زجّهم الغزو المغولي في شؤون بلاد الشام ، واكتشفوا أهميتها الاستراتيجية لمصر ، عقدوا العزم على تصفية الوجود الفرنجي فيها. وكان السلطان الكبير ، بيبرس هو الذي وضع أسس هذا المشروع ، وقاده بنفسه ، بعد أن اغتال قطز ، وتولى الحكم ، بلقب الملك الظاهر (١٢٦٠ ـ ١٢٧٧ م).
وإضافة إلى القوة العسكرية التي استحوذ عليها عبر القتال ، والتي حسمت الأمر لمصلحته في الصراع بشأن السلطة بين المماليك ، توخّى بيبرس أن يضفي على حكمه شرعية رسمية وشعبية. فاستدعى أحد العباسيين الناجين من مجازر المغول ، المستنصر بالله وبايعه خليفة في القاهرة ، تحت مراقبته. أمّا الشرعية الشعبية ، فقد جاءته عبر قتال الفرنجة. وعلى هذا الصعيد ، اكتسب بيبرس شهرة لا تقل عن شهرة صلاح الدين ، وفي القصص الشعبي كانت سمعة بيبرس أكبر. ولكي يتفرغ لقتال الفرنجة ، كان عليه أن يضمن الجناح الشرقي ـ المغول ـ وأن يؤمن قاعدة نشاطه ، بتصفية جيوب الأيوبيين. وكان المغول قد قضوا على الإمارات الأيوبية القوية في سورية. فهادن بيبرس الفرنجة من دون أن يطمئنهم. واتجه نحو إمارة الكرك ، بعد أن تأكد من انكفاء المغول عن غزو غربي آسيا. فأخذ الشوبك (١٢٦١ م) ، وبعدها الكرك